(وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) (٨٣)
____________________________________
وقعت مبتدأ والسحر خبره أى هو السحر لا ما سماه فرعون وقومه من آيات الله سبحانه أو هو من جنس السحر يريهم أن حاله بين لا يعبأ به كأنه قال ما جئتم به مما لا ينبغى أن يجاء به وقرىء آلسحر على الاستفهام فما استفهامية أى أى شىء جئتم به أهو السحر الذى يعرف حاله كل أحد ولا يتصدى له عاقل وقرىء ما جئتم* به سحر وقرىء ما أتيتم به سحر ودلالتهما على المعنى الثانى فى القراءة المشهورة أظهر (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) أى سيمحقه بالكلية بما يظهره على يدى من المعجزة فلا يبقى له أثر أصلا أو سيظهر بطلانه للناس والسين للتأكيد* (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) أى عمل جنس المفسدين على الإطلاق فيدخل فيه السحر دخولا أوليا أو عملكم فيكون من باب وضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالإفساد والإشعار بعلة الحكم وليس المراد بعدم إصلاح عملهم عدم جعل فسادهم صلاحا بل عدم إثباته وإتمامه أى لا يثبته ولا يكمله ولا يديمه بل يمحقه ويهلكه ويسلط عليه الدمار والجملة تعليل لما سبق من قوله (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) والكل اعتراض تذييلى وفيه دليل على أن السحر إفساد وتمويه لا حقيقة له (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ) عطف على قوله* سيبطله أى يثبته ويقويه وإظهار الاسم الجليل فى المقامين الأخيرين لإلقاء الروعة وتربية المهابة (بِكَلِماتِهِ) * بأوامره وقضاياه وقرىء بكلمته (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) ذلك والمراد بهم كل من اتصف بالإجرام من السحرة وغيرهم (فَما آمَنَ لِمُوسى) معطوف على مقدر قد فصل فى مواقع أخر أى فألقى عصاه فإذا هى تلقف ما يأفكون الخ وإنما لم يذكر تعويلا على ذلك وإيثار للإيجاز وإيذانا بأن قوله تعالى (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) مما لا يحتمل الخلف أصلا وعطفه على ذلك بالفاء مع كونه عدما مستمرا من قبيل ما فى قوله عزوجل (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) وما فى قولك وعظته فلم يتعظ وصحت به فلم ينزجر والسر فى ذلك أن الإتيان بالشىء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمرارا عليه لكنه بحسب العنوان فعل جديد وصنع* حادث أى فما آمن له عليهالسلام بمشاهدة تلك الآيات القاهرة (إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) أى إلا أولاد من أولاد قومه بنى إسرائيل حيث دعا الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون وأجابته طائفة من شبانهم وقيل الضمير لفرعون والذرية طائفة من شبانهم آمنوا به عليهالسلام أو مؤمن آل فرعون وامرأته آسية* وخازنه وامرأته وماشطته وهو بعيد (عَلى خَوْفٍ) أى كائنين على خوف عظيم (مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) الضمير لفرعون والجمع لما هو المعتاد فى ضمائر العظماء ولا يأباه مقام بيان علوه فى الفساد وغلوه فى الشر والتسلط على العباد أو لأن المراد به آله كما يقال ربيعة ومضر أو للذرية أو للقوم أى على خوف من فرعون* ومن أشراف بنى إسرائيل حيث كانوا يمنعون أعقابهم خوفا من فرعون عليهم وعلى أنفسهم (أَنْ يَفْتِنَهُمْ)