(وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٨٧)
____________________________________
أى يعذبهم وهو بدل اشتمال أو مفعول خوف فإن إعمال المصدر المنكر كثير كما فى قوله عزوجل (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) أو مفعول له بعد حذف اللام وإسناد الفعل إلى فرعون خاصة لأنه الآمر بالتعذيب (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ) لغالب فى أرض مصر (وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) فى الظلم والفساد بالقتل وسفك* الدماء أو فى الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية واسترق أسباط الأنبياء والجملتان اعتراض تذييلى مؤكد لمضمون ما سبق (وَقالَ مُوسى) لما رأى تخوف المؤمنين منه (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) أى صدقتم به وبآياته (فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) وبه ثقوا ولا تخافوا أحدا غيره فإنه كافيكم كل شر وضر (إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) مستسلمين لقضاء* الله تعالى مخلصين له وليس هذا من تعليل الحكم بشرطين فإن المعلل بالإيمان وجوب التوكل عليه تعالى فإنه المقتضى له والمشروط بالإسلام وجوده فإنه لا يتحقق مع التخليط ونظيره إن أحسن إليك زيد فأحسن إليه إن قدرت عليه (فَقالُوا) مجيبين له عليهالسلام من غير تلعثم فى ذلك (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) لأنهم كانوا مؤمنين ٨٥ مخلصين ثم دعوا ربهم قائلين (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً) أى موقع فتنة (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أى لا تسلطهم علينا* حتى يعذبونا أو يفتنونا عن ديننا أو يفتتنوا بنا ويقولوا لو كان هؤلاء على الحق لما أصيبوا وقوله تعالى (وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) دعاء منهم بالإنجاء من سوء جوارهم وشؤم مصاحبتهم بعد الإنجاء من ظلمهم ولذلك عبر عنهم بالكفر بعد ما وصفوا بالظلم وفى ترتيب الدعاء على التوكل تلويح بأن الداعى حقه أن يبنى دعاءه على التوكل على الله تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا) أن مفسرة لأن فى الوحى معنى القول أى اتخذا مباءة (لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) تسكنون فيها وترجعون إليها للعبادة (وَاجْعَلُوا) أنتما* وقومكما (بُيُوتَكُمْ) تلك (قِبْلَةً) مصلى وقيل مساجد متوجهة نحو القبلة يعنى الكعبة فإن موسى عليهالسلام* كان يصلى إليها (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أى فيها أمروا بذلك فى أول أمرهم لئلا يظهر عليهم الكفرة فيؤذوهم* ويفتنوهم عن دينهم (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصرة فى الدنيا إجابة لدعوتهم والجنة فى العقبى وإنما ثنى الضمير* أولا لأن التبوؤ للقوم واتخاذ المعابد مما يتولاه رؤساء القوم بتشاور ثم جمع لأن جعل البيوت مساجد والصلاة فيها مما يفعله كل أحد ثم وحد لأن بشارة الأمة وظيفة صاحب الشريعة ووضع المؤمنين موضع ضمير القوم لمدحهم بالايمان وللإشعار بأنه المدار فى التبشير.