(آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ()٩١)
____________________________________
أى باغين وعادين أو للبغى والعدوان وقرىء وعدوا وذلك أن موسى عليهالسلام خرج ببنى إسرائيل على حين غفلة من فرعون فلما سمع به تبعهم حتى لحقهم ووصل إلى الساحل وهم قد خرجوا من البحر ومسلكهم باق على حاله يبسا فسلكه بجنوده أجمعين فلما دخل آخرهم وهم أولهم بالخروج غشيهم من اليم ماغشيهم (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) أى لحقه وألجمه (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ) أى بأنه والضمير للشأن وقرىء إنه* على الاستئناف بدلا من آمنت وتفسيرا له (لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) لم يقل كما قاله السحرة* آمنا برب العالمين رب موسى وهرون بل عبر عنه تعالى بالموصول وجعل صلته إيمان بنى إسرائيل به تعالى للإشعار برجوعه عن الاستعصاء وباتباعه لمن كان يستتبعهم طمعا فى القبول والانتظام معهم فى سلك النجاة (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أى الذين أسلموا نفوسهم لله أى جعلوها سالمة خاصة له تعالى وأراد بهم* إما بنى إسرائيل خاصة وإما الجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا والجملة على الأول عطف على آمنت وإيثار الاسمية لادعاء الدوام والاستمرار وعلى الثانى يحتمل الحالية أيضا من ضمير المتكلم أى آمنت مخلصا لله منتظما فى سلك الراسخين فيه ولقد كرر المعنى الواحد بثلاث عبارات حرصا على القبول المفضى إلى النجاة وهيهات هيهات بعد مافات مافات وأتى ما هو آت وقوله عزوجل(آلْآنَ) مقول لقول مقدر معطوف على (قالَ) أى فقيل آلآن وهو إلى قوله تعالى (آيَةً) حكاية لما جرى منه سبحانه من الغضب على المخذول ومقابلة ما أظهره بالرد على وجه الإنكار التوبيخى على تأخيره وتقريعه بالعصيان والإفساد وغير ذلك وفى حذف الفعل المذكور وإبراز الخبر المحكى فى صورة الإنشاء من الدلالة على عظم السخط وشدة الغضب ما لا يخفى كما يفصح عنه ما روى من أن جبريل دس فاه عند ذلك بحال البحر وسده به فإنه تأكيد للرد القولى بالرد الفعلى ولا ينافيه تعليله بمخافة إدراك الرحمة فيما نقل أنه قال للنبى صلىاللهعليهوسلم فلو رأيتنى يا محمد وأنا آخذ من حال البحر فأدسه فى فيه مخافة أن تدركه الرحمة إذ المراد بها الرحمة الدنيوية أى النجاة التى هى طلبة المخذول وليس من ضرورة إدراكها صحة الإيمان كما فى إيمان قوم يونس عليهالسلام حتى يلزم من كراهته ما لا يتصور فى شأن جبريل عليهالسلام من الرضا بالكفر إذ لا استحالة فى ترتب هذه الرحمة على مجرد التفوه بكلمة الإيمان وإن كان ذلك فى حالة البأس واليأس فيحمل دسه صلىاللهعليهوسلم على سد باب الاحتمال البعيد لكمال الغيظ وشدة الحرد فتدبر والله الموفق وحق العامل فى الظرف أن يقدر مؤخرا ليتوجه الإنكار والتوبيخ إلى تأخير الإيمان إلى حد يمتنع قبوله فيه أى آلآن تؤمن حين يئست من الحياة وأيقنت بالممات وقوله عز وعلا (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) حال من فاعل الفعل المقدر جىء به لتشديد التوبيخ* والتقريع على تأخير الإيمان إلى هذا الآن ببيان أنه لم يكن تأخيره لعدم بلوغ الدعوة إليه ولا للتأمل والتدبر فى دلائله وآياته ولا لشىء آخر مما عسى يعد عذرا فى التأخير بل كان ذلك على طريقة الرد والاستعصاء والإفساد فإن قوله تعالى (وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) عطف على (عَصَيْتَ) داخل فى حيز الحال أى وكنت* من الغالين فى الضلال والإضلال عن الإيمان كقوله تعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ