(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٩٣)
____________________________________
عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) فهذا عبارة عن فساده الراجع إلى نفسه والسارى إلى غيره من الظلم والتعدى وصد بنى إسرائيل عن الإيمان والأول عن عصيانه الخاص به (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ) أى نخرجك مما وقع فيه قومك من قعر البحر ونجعلك طافيا وفى التعبير عنه بالتنجية تلويح بأن مراده بالإيمان هو النجاة كما مر وتهكم به أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل وقرىء ننجيك* من الإنجاء وننحيك بالحاء من التنحية أى نلقيك بناحية الساحل (بِبَدَنِكَ) فى موضع الحال من ضمير المخاطب أى ننجيك ملابسا ببدنك فقط لامع روحك كما هو مطلوبك فهو تخييب له وحسم لأطماعه بالمرة أو عاريا عن اللباس أو كاملا سويا أو بدرعك وكانت له درع من الذهب يعرف بها وقرىء* بأبدانك أى بأجزاء بدنك كلها كقولهم هوى بأجرامه أو بدروعك كأنه كان مظاهرا بينها (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) لمن وراءك علامة وهم بنو إسرائيل إذ كان فى نفوسهم من عظمته ما خيل إليهم أنه لا يهلك حتى يروى أنهم لم يصدقوا موسى عليهالسلام حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينوه مطرحا على ممرهم من الساحل أو تكون لمن يأتى بعدك من الأمم إذا سمعوا مآل أمرك ممن شاهدك عبرة ونكالا من الطغيان أو حجة تدلهم على أن الإنسان وإن بلغ الغاية القصوى من عظم الشأن وعلو الكبرياء وقوة السلطان فهو مملوك مقهور بعيد عن مظان الربوبية وقرىء لمن خلفك فعلا ماضيا أى لمن خلفك من الجبابرة وقرىء لمن خلقك بالقاف أى لتكون لخالقك آية كسائر الآيات فإن إفراده سبحانه إياك بالإلقاء إلى الساحل دليل على أنه قصد منه لكشف تزويرك وإماطة الشبهة فى أمرك وبرهان نير على كمال علمه وقدرته وحكمته وإرادته وهذا الوجه محتمل على القراءة المشهورة أيضا وفى تعليل تنجيته بما ذكر إيذان بأنها ليست لإعزازه أو لفائدة أخرى عائدة إليه بل لكمال الاستهانة به وتفضيحه على رءوس الأشهاد وزيادة تفظيع حاله كمن يقتل ثم يجر جسده فى الأسواق أو يدار برأسه فى البلاد واللام الأولى متعلقة بننجيك* والثانية بمحذوف وقع حالا من آية أى كائنة لمن خلفك (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها وهو اعتراض تذييلى جىء به عند الحكاية تقريرا لفحوى الكلام المحكى (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) كلام مستأنف سيق لبيان النعم الفائضة عليهم إثر نعمة الإنجاء على وجه الإجمال وإخلالهم بشكرها وأداء حقوقها أى أسكناهم وأنزلناهم بعد ما أنجيناهم وأهلكنا أعداءهم* (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) أى منزلا صالحا مرضيا وهو الشام ومصر ملكوهما بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا