(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) (٩٦)
____________________________________
فى نواحيهما حسبما نطق به قوله تعالى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أى اللذائذ (فَمَا اخْتَلَفُوا) فى أمر دينهم (حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أى* إلا بعد ما جاءهم العلم بقراءتهم التوراة وعلمهم بأحكامها أو فى أمر محمد صلىاللهعليهوسلم إلا من بعد ما علموا صدق نبوته وتظاهر معجزاته فالمراد بالمختلفين أعقابهم الذين كانوا فى عصر النبى صلىاللهعليهوسلم (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) فيميز بين المحق والمبطل بالإثابة والتعذيب (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ) أى فى شك ما يسير على الفرض والتقدير فإن مضمون الشرطية إنما هو تعليق شىء بشىء من غير تعرض لإمكان شىء منهما كيف لا وقد يكون كلاهما ممتنعا كقوله عزوجل (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) وقوله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) ونظائرهما (مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) من القصص التى من جملتها* قصة فرعون وقومه وأخبار بنى إسرائيل (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) فإن ذلك محقق* عندهم ثابت فى كتبهم حسبما ألقينا إليك والمراد إظهار نبوته صلىاللهعليهوسلم بشهادة الأحبار حسبما هو المسطور فى كتبهم وإن لم يكن إليه حاجة أصلا أو وصف أهل الكتاب بالرسوخ فى العلم بصحة نبوته صلىاللهعليهوسلم أو تهييجه صلىاللهعليهوسلم وزيادة تثبيته على ما هو عليه من اليقين لا تجويز صدور الشك منه صلىاللهعليهوسلم ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم لا أشك ولا أسأل وقيل المراد بالموصول مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وتميم الدارى وكعب وأضرابهم وقيل الخطاب للنبى صلىاللهعليهوسلم والمراد أمته أو لكل من يسمع أى إن كنت أيها السامع فى شك مما أنزلنا إليك على لسان نبينا وفيه تنبيه على أن من خالجته شبهة فى الدين ينبغى أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم وقرىء فاسأل الذين يقرءون الكتب (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ) الذى لا محيد عنه ولا ريب فى* حقيته (مِنْ رَبِّكَ) وظهر ذلك بالآيات القاطعة التى لا يحوم حولها شائبة الارتياب وفى التعرض لعنوان* الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم من التشريف ما لا يخفى (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) بالتزلزل عما أنت* عليه من الجزم واليقين ودم على ذلك كما كنت من قبل (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) من باب التهييج والإلهاب والمراد به إعلام أن التكذيب من القبح والمحذورية بحيث ينبغى أن ينهى عنه من لا يتصور إمكان صدوره عنه فكيف بمن يمكن اتصافه به وفيه قطع لأطماع الكفرة (فَتَكُونَ) بذلك (مِنَ الْخاسِرِينَ) أنفسا وأعمالا (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ) شروع فى بيان سر إصرار الكفرة على ما هم عليه من الكفر والضلال أى ثبتت ووجبت بمقتضى المشيئة المبنية على الحكمة البالغة (كَلِمَتُ رَبِّكَ) حكمه وقضاؤه*