(أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) (٣)
____________________________________
آياته ثم فصلت على صيغة التكلم وعن عكرمة والضحاك ثم فصلت أى فرقت بين الحق والباطل (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) صفة للكتاب وصف بها بعد ما وصف بإحكام آياته وتفصيلها الدالين على علو رتبته من حيث الذات إبانة لجلالة شأنه من حيث الإضافة أو خبر بعد خبر للمبتدأ المذكور أو المحذوف أو صلة للفعلين وفى بنائهما للمفعول ثم إيراد الفاعل بعنوان الحكمة البالغة والإحاطة بجلائلها ودقائقها منكرا بالتنكير التفخيمى وربطهما به لا على النهج المعهود فى إسناد الأفاعيل إلى فواعلها مع رعاية حسن الطباق من الجزالة والدلالة على فخامتهما وكونهما على أكمل ما يكون ما لا يكتنه كنهه (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) ٢ مفعول له حذف عنه اللام مع فقدان الشرط أعنى كونه فعلا لفاعل الفعل المعلل جريا على سنن القياس المطرد فى حذف حرف الجر مع أن المصدرية كأنه قيل كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا الله أى لتتركوا عبادة غير الله عزوجل وتتمحضوا فى عبادته فإن الإحكام والتفصيل على ما فصل من المعانى مما يدعوهم إلى الإيمان والتوحيد وما يتفرع عليه من الطاعات قاطبة وقيل أن مفسرة لما فى التفصيل من معنى القول أى قيل لا تعبدوا إلا الله (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ) من جهة الله تعالى (نَذِيرٌ) أنذركم عذابه إن لم* تتركوا ما أنتم عليه من الكفر وعبادة غير الله تعالى (وَبَشِيرٌ) أبشركم بثوا به إن آمنتم به وتمحضتم فى عبادته* ولما ذكر شئون الكتاب من إحكام آياته وتفصيلها وكون ذلك من قبل الله تعالى وأورد معظم ما نظم فى سلك الغاية والأمر من التوحيد وترك الإشراك وسط بينه وبين قرينيه أعنى الاستغفار والتوبة ذكر أن من نزل عليه ذلك الكتاب مرسل من عند الله تعالى لتبليغ أحكامه وتشريحها بالمؤيدات من الوعد والوعيد للإيذان بأن التوحيد فى أقصى مراتب الأهمية حتى أفرد بالذكر وأيد إيجابه بالخطاب غب الكتاب مع تلويح بأنه كمالا يتحقق فى نفسه إلا مقارنا للحكم برسالته صلىاللهعليهوسلم كذلك فى الذكر لا ينفك أحدهما عن الآخر وقد روعى فى سوق الخطاب بتقديم الإنذار على التبشير ما روعى فى الكتاب من تقديم النفى على الإثبات والتخلية على التحلية ليتجاوب أطراف الكلام ويجوز أن يكون قوله تعالى (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) كلاما منقطعا عما قبله وارادا على لسانه صلىاللهعليهوسلم إغراء لهم على اختصاصه تعالى بالعبادة كأنه صلىاللهعليهوسلم قال ترك عبادة غير الله أى الزموه على معنى اتركوا عبادة غير الله تركا مستمرا إننى لكم من جهة الله تعالى نذير وبشير أى نذير أنذركم من عقابه على تقدير استمراركم على الكفر وبشير أبشركم بثوابه على تقدير ترككم له وتوحيدكم ولما سيق إليهم حديث التوحيد وأكد ذلك بخطاب الرسول صلىاللهعليهوسلم على وجه الإنذار والتبشير شرع فى ذكر ما هو من تتماته على وجه يتضمن تفصيل ما أجمل فى وصف البشير والنذير فقيل (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) وهو معطوف على (أَلَّا تَعْبُدُوا) على ما ذكر من الوجهين فعلى الأول أن