(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٣)
____________________________________
(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) من البينات الدالة على حقية نبوتك المنادية بكونها من عند الله عز وجل لمن له أذن واعية (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) أى عارض لك ضيق صدر بتلاوته عليهم وتبليغه إليهم فى* أثناء الدعوة والمحاجة (أَنْ يَقُولُوا) لأن يقولوا تعاميا عن تلك البراهين التى لا تكاد تخفى صحتها على أحد* ممن له أدنى بصيرة وتماديا فى العناد على وجه الاقتراح (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) مال خطير مخزون يدل على* صدقه (أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) يصدقه قيل قاله عبد الله بن أمية المخزومى. وروى عن ابن عباس رضى الله* عنهما أن رؤساء مكة قالوا يا محمد اجعل لنا جبال مكة ذهبا إن كنت رسولا وقال آخرون ائتنا بالملائكة يشهدوا بنبوتك فقال لا أقدر على ذلك فنزلت فكأنه صلىاللهعليهوسلم لما عاين اجتراءهم على اقتراح مثل هذه العظائم غير قانعين بالبينات الباهرة التى كانت تضطرهم إلى القبول لو كانوا من أرباب العقول وشاهد ركوبهم من المكابرة متن كل صعب وذلول مسارعين إلى المقابلة بالتكذيب والاستهزاء وتسميتها سحرا مثل حاله صلىاللهعليهوسلم بحال من يتوقع منه أن يضيق صدره بتلاوة تلك الآيات الساطعة عليهم وتبليغها إليهم فحمل على الحذر منه بما فى لعل من الإشفاق فقيل (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) ليس عليك إلا الإنذار بما أوحى إليك غير* مبال بما صدر عنهم من الرد والقبول (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) يحفظ أحوالك وأحوالهم فتوكل عليه* فى جميع أمورك فإنه فاعل بهم ما يليق بحالهم والاقتصار على النذير فى أقصى غاية من إصابة المحز (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) إضراب بأم المنقطعة عن ذكر ترك اعتدادهم بما يوحى وتهاونهم به وعدم اقتناعهم بما فيه من المعجزات الظاهرة الدالة على كونه من عند الله عزوجل وعلى حقية نبوته صلىاللهعليهوسلم وشروع فى ذكر ارتكابهم لما هو أشد منه وأعظم وما فيها من معنى الهمزة للتوبيخ والإنكار والتعجيب والضمير المستكن فى افتراه للنبى صلىاللهعليهوسلم والبارز لما يوحى أى بل أيقولون افتراه وليس من عند الله (قُلْ) إن كان الأمر كما* تقولون (فَأْتُوا) أنتم أيضا (بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) فى البلاغة وحسن النظم وهو نعت لسور أى أمثاله* وتوحيده إما باعتبار مماثلة كل واحدة منها أو لأن المطابقة ليست بشرط حتى يوصف المثنى بالمفرد كما فى قوله تعالى (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) أو للإيماء إلى أن وجه الشبه ومدار المماثلة فى الجميع شىء واحد هو البلاغة المؤدية إلى مرتبة الإعجاز فكأن الجميع واحد (مُفْتَرَياتٍ) صفة أخرى لسور أخرت عن وصفها بالمماثلة* لما يوحى لأنها الصفة المقصودة بالتكليف إذ بها يظهر عجزهم وقعودهم عن المعارضة وأما وصف الافتراء فلا يتعلق به غرض يدور عليه شىء فى مقام التحدى وإنما ذكر على نهج المساهلة وإرخاء العنان ولأنه