(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٤)
____________________________________
لو عكس الترتيب لربما توهم أن المراد هو المماثلة فى الافتراء والمعنى فأتوا بعشر سور مماثلة له فى البلاغة مختلقات من عند أنفسكم إن صح أنى اختلقته من عندى فإنكم أقدر على ذلك منى لأنكم عرب فصحاء بلغاء قد ما رستم مبادى ذلك من الخطب والأشعار وحفظتم الوقائع والأيام وزاولتم أساليب النظم والنثر* (وَادْعُوا) للاستظهار فى المعارضة (مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) دعاءه والاستعانة به من آلهتكم التى تزعمون أنها ممدة لكم فى كل ما تأتون وما تذرون والكهنة ومدارهكم الذين تلجئون إلى آرائهم فى الملمات ليسعدوكم* فيها (مِنْ دُونِ اللهِ) متعلق بادعوا أى متجاوزين الله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فى إنى افتريته فإن ذلك يستلزم إمكان الإتيان بمثله وهو أيضا يستلزم قدرتكم عليه والجواب محذوف يدل عليه المذكور (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) أى فإن لم يفعلوا ما كلفوه من الإتيان بمثله كقوله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) وإنما عبر عنه بالاستجابة إيماء إلى أنه صلىاللهعليهوسلم على كمال أمن من أمره كأن أمره لهم بالإتيان بمثله دعاء لهم إلى أمر يريد وقوعه والضمير فى لكم للرسول صلىاللهعليهوسلم والجمع للتعظيم كما فى قول من قال [وإن شئت حرمت النساء سواكم] أوله وللمؤمنين لأنهم أتباع له صلىاللهعليهوسلم فى الأمر بالتحدى وفيه تنبيه لطيف على أن حقهم أن لا ينفكوا عنه صلىاللهعليهوسلم ويناصبوا معه لمعارضة المعارضين كما كانوا يفعلونه فى الجهاد وإرشاد إلى أن ذلك* مما يفيد الرسوخ فى الإيمان والطمأنينة فى الإيقان ولذلك رتب عليه قوله عزوجل (فَاعْلَمُوا) أى اعلموا حين ظهر لكم عجزهم عن المعارضة مع تهالكهم عليها علما يقينا متاخما لعين اليقين بحيث لا مجال معه لشائبة ريب بوجه من الوجوه كأن ما عداه من مراتب العلم ليس بعلم لكن لا للإشعار بانحطاط تلك المراتب بل بارتفاع هذه المرتبة وبه يتضح سرا يراد كلمة الشك مع القطع بعدم الاستجابة فإن تنزيل سائر المراتب منزلة العدم مستتبع لتنزيل الجزم بعدم الاستجابة منزلة الشك فيه أو اثبتوا واستمروا على ما كنتم عليه* من العلم (أَنَّما أُنْزِلَ) ملتبسا (بِعِلْمِ اللهِ) المخصوص به بحيث لا تحوم حوله العقول والأفهام مستبدا* بخصائص الإعجاز من جهتى النظم الرائق والإخبار بالغيب (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أى واعلموا أيضا أن* لا شريك له فى الألوهية وأحكامها ولا يقدر على ما يقدر عليه أحد (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أى مخلصون فى الإسلام أو ثابتون عليه وهذا من باب التثبيت والترقية إلى معارج اليقين ويجوز أن يكون الخطاب فى الكل للمشركين من جهة الرسول صلىاللهعليهوسلم داخلا تحت الأمر بالتحدى والضمير فى لم يستجيبوا لمن استعطتم أى فإن لم يستجب لكم آلهتكم وسائر من إليهم تجأرون فى مهماتكم وملماتكم إلى المعاونة والمظاهرة فاعلموا أن ذلك خارج عن دائرة قدرة البشر وأنه منزل من خالق القوى والقدر فإيراد كلمة الشك حينئذ مع الجزم بعدم الاستجابة من جهة آلهتهم تهكم بهم وتسجيل عليهم بكمال سخافة العقل وترتيب الأمر بالعلم على مجرد عدم الاستجابة من حيث إنه مسبوق بالدعاء المسبوق بعجزهم واضطرارهم فكأنه قيل فإن لم يستجيبوا لكم عند التجائكم إليهم بعد ما اضطررتم إلى ذلك وضاقت عليكم الحيل وعيت بكم العلل أو من حيث إن من يستمدون بهم أقوى منهم فى اعتقادهم فإذا ظهر عجزهم بعدم استجابتهم وإن كان ذلك قبل ظهور