(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٦)
____________________________________
عجز أنفسهم يكون عجزهم أظهر وأوضح واعلموا أيضا أن آلهتكم بمعزل عن رتبة الشركة فى الألوهية وأحكامها فهل أنتم داخلون فى الإسلام إذ لم يبق بعد شائبة شبهة فى حقيته وفى بطلان ما كنتم فيه من الشرك فيدخل فيه الإذعان لكون القرآن من عند الله تعالى دخولا أوليا أو منقادون للحق الذى هو كون القرآن من عند الله تعالى وتاركون لما كنتم فيه من المكابرة والعناد وفى هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر وإقناط من أن يجيرهم آلهتهم من بأس الله عز سلطانه هذا والأول أنسب لما سلف من قوله تعالى (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) ولما سيأتى من قوله تعالى (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) وأشد ارتباطا بما يعقبه كما ستحيط به خبرا (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) أى ما يزينها ويحسنها من الصحة والأمن والسعة فى الرزق وكثرة الأولاد والرياسة وغير ذلك والمراد بالإرادة ما يحصل عند مباشرة الأعمال لا مجرد الإرادة القلبية لقوله تعالى (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) وإدخال كان* عليها للدلالة على استمرارها منهم بحيث لا يكادون يريدون الآخرة أصلا وليس المراد بأعمالهم أعمال كلهم فإنه لا يجد كل متمن ما يتمناه ولا كل أحد ينال كل ما يهواه فإن ذلك منوط بالمشيئة الجارية على قضية الحكمة كما نطق به قوله تعالى (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) ولا كل أعمالهم بل بعضها الذى يترتب عليه الأمور المذكورة بطريق الأجر والجزاء من أعمال البر وقد أطلقت وأريد بها ثمراتها فالمعنى نوصل إليهم ثمرات أعمالهم فى الحياة الدنيا كاملة وقرىء يوف على الإسناد إلى الله عزوجل وتوف بالفوقانية على البناء للمفعول ورفع أعمالهم وقرىء نوفى بالتخفيف والرفع لكون الشرط ماضيا كقوله[وإن أتاه خليل يوم مسغبة * يقول لا غائب مالى ولا حرم] (وَهُمْ فِيها) أى فى الحياة الدنيا (لا يُبْخَسُونَ) * أى لا ينقصون وإنما عبر عن ذلك بالبخس الذى هو نقص الحق مع أنه ليس لهم شائبة حق فيما أوتوه كما عبر عن إعطائه بالتوفية التى هى إعطاء الحقوق مع أن أعمالهم بمعزل من كونها مستوجبة لذلك بناء للأمر على ظاهر الحال ومحافظة على صور الأعمال ومبالغة فى نفى النقص كأن ذلك نقص لحقوقهم فلا يدخل تحت الوقوع والصدور عن الكريم أصلا والمعنى إنهم فيها خاصة لا ينقصون ثمرات أعمالهم وأجورها نقصا كليا مطردا ولا يحرمونها حرمانا كليا وأما فى الآخرة فهم فى الحرمان المطلق واليأس المحقق كما ينطق به قوله تعالى (أُولئِكَ) الخ فإنه إشارة إلى المذكورين باعتبار إرادتهم الحياة الدنيا أو باعتبار توفيتهم أجورهم من غير بخس أو باعتبارهما معا وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم فى سوء الحال أى أولئك المريدون للحياة الدنيا وزينتها الموفون فيها ثمرات أعمالهم من غير بخس (الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) لأن هممهم كانت مصروفة إلى الدنيا وأعمالهم مقصورة على تحصيلها وقد