(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (١٧)
____________________________________
اجتنوا ثمرتها ولم يكونوا يريدون بها شيئا آخر فلا جرم لم يكن لهم فى الآخرة إلا النار وعذابها المخلد* (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) أى ظهر فى الآخرة حبوط ما صنعوه من الأعمال التى كانت تؤدى إلى الثواب لو كانت معمولة للآخرة أو حبط ما صنعوه فى الدنيا من أعمال البر إذ شرط الاعتداد بها الإخلاص* (وَباطِلٌ) أى فى نفسه (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) فى أثناء تحصيل المطالب الدنيوية ولأجل أن الأول من شأنه استتباع الثواب والأجر وأن عدمه لعدم مقارنته للإيمان والنية الصحيحة وأن الثانى ليس له جهة صالحة قط علق بالأول الحبوط المؤذن بسقوط أجره بصيغة الفعل المنبىء عن الحدوث وبالثانى البطلان المفصح عن كونه بحيث لا طائل تحته أصلا بالاسمية الدالة على كون ذلك وصفا لازما له ثابتا فيه وفى زيادة كان فى الثانى دون الأول إيماء إلى أن صدور أعمال البر منهم وإن كان لغرض فاسد ليس فى الاستمرار والدوام كصدور الأعمال التى هى من مقدمات مطالبهم الدنية وقرىء وبطل على الفعل أى ظهر بطلانه حيث علم هناك أن ذلك وما يستتعبه من الحظوظ الدنيوية مما لا طائل تحته أو انقطع أثره الدنيوى فبطل مطلقا وقرىء وباطلا ما كانوا يعملون على أن ما إبهامية أو فى معنى المصدر كقوله ولا خارجا من فى زور كلام وعن أنس رضى الله عنه أن المراد بقوله تعالى (مَنْ كانَ يُرِيدُ) الخ اليهود والنصارى إن أعطوا سائلا أو وصلوا رحما عجل لهم جزاء ذلك بتوسعة فى الرزق وصحة فى البدن وقيل هم الذين جاهدوا من المنافقين مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأسهم لهم فى الغنائم وأنت خبير بأن ذلك إنما كان بعد الهجرة والسورة مكية وقيل هم أهل الرياء يقال للقراء منهم أردت أن يقال فلان قارىء فقد قيل ذلك وهكذا لغيره ممن يعمل أعمال البر لا لوجه الله تعالى فعلى هذا لا بد من تقييد قوله تعالى (لَهُمْ إِلَّا النَّارُ) بأن ليس لهم بسبب أعمالهم الريائية إلا ذلك والذى تقتضيه جزالة النظم الكريم أن المراد به مطلق الكفرة بحيث يندرج فيهم القادحون فى القرآن العظيم اندراجا أوليا فإنه عز وعلا لما أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بأن يزدادوا علما ويقينا بأن القرآن منزل بعلم الله وبأن لا قدرة لغيره على شىء أصلا وهيجهم على الثبات على الإسلام والرسوخ فيه عند ظهور عجز الكفرة وما يدعون من دون الله عن المعارضة وتبين أنهم ليسوا على شىء أصلا اقتضى الحال أن يتعرض لبعض شئونهم الموهمة لكونهم على شىء فى الجملة من نيلهم الحظوظ العاجلة واستيلائهم على المطالب الدنيوية وبيان أن ذلك بمعزل عن الدلالة عليه ولقد بين ذلك أى بيان ثم أعيد الترغيب فيما ذكر من الإيمان بالقرآن والتوحيد والإسلام فقيل (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) أى برهان نير عظيم الشأن يدل على حقية ما رغب فى الثبات عليه من الإسلام وهو القرآن وباعتباره أو بتأويل البرهان ذكر الضمير* الراجع إليها فى قوله تعالى (وَيَتْلُوهُ) أى يتبعه (شاهِدٌ) يشهد بكونه من عند الله تعالى وهو الإعجاز فى