(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) (٢٠)
____________________________________
فى العاجل والآجل كما فى قوله تعالى (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) أى أبعد أن علمتموه رب السموات والأرض اتخذتم من دونه أولياء وقوله تعالى (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بأن نسب إليه مالا يليق به كقولهم للملائكة بنات الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وقولهم لآلهتهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله يعنى أنهم مع كفرهم بآيات الله تعالى مفترون عليه كذبا وهذا التركيب وإن كان سبكه على إنكار أن يكون أحد أظلم منهم من غير تعرض لإنكار المساواة ونفيها ولكن المقصود به قصدا مطردا إنكار المساواة ونفيها وإفادة أنهم أظلم من كل ظالم كما ينبىء عنه ما سيتلى من قوله عزوجل لا جرم أنهم فى الآخرة هم الأخسرون فإذا قيل من أكرم من فلان أولا أفضل منه فالمراد منه* حتما أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل (أُولئِكَ) الموصوفون بالظلم البالغ الذى هو الافتراء على الله تعالى وبهذه الإشارة حصلت الغنية عن إسناد العرض إلى أعمالهم واكتفى بإسناده إليهم حيث قيل* (يُعْرَضُونَ) لأن عرضهم من تلك الحيثية وبذلك العنوان عرض لأعمالهم على وجه أبلغ فإن عرض العامل* بعمله أفظع من عرض عمله مع غيبته (عَلى رَبِّهِمْ) الحق وفيه إيماء إلى بطلان رأيهم فى اتخاذهم أربابا من* دون الله عزوجل (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) عند العرض من الملائكة والنبيين أو من جوارحهم وهو جمع شاهد* أو شهيد كأصحاب وأشراف (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) بالافتراء عليه كأن ذلك أمر واضح غنى عن الشهادة بوقوعه وإنما المحتاج إلى الشهادة تعيين من صدر عنه ذلك فلذلك لا يقولون هؤلاء كذبوا على ربهم ويجوز أن يكون المراد بالأشهاد الحضار وهم جميع أهل الموقف على ما قاله قتادة ومقاتل ويكون قولهم هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ذمالهم بذلك لإشهاده عليهم كما يشعر به قوله تعالى (وَيَقُولُ) دون ويشهد الخ وتوطئة لما يعقبه* من قوله تعالى (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) بالافتراء المذكور ويجوز أن يكون هذا على الوجه الأول من كلام الله تعالى وفيه تهويل عظيم لما يحيق بهم من عاقبة ظلمهم اللهم إنا نعوذ بك من الخزى على رءوس الأشهاد (الَّذِينَ يَصُدُّونَ) أى كل من يقدرون على صده أو يفعلون الصد (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن دينه القويم (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) انحرافا أى يصفونها بذلك وهى أبعد شىء منه أو يبغون أهلها أن ينحرفوا عنها يقال بغيتك خيرا* أو شرا أى طلبت لك وهذا شامل لتكذيبهم بالقرآن وقولهم إنه ليس من عند الله (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) أى يصفونها بالعوج والحال أنهم كافرون بها لا أنهم يؤمنون بها ويزعمون أن لها سبيلا سويا يهدون الناس إليه وتكرير الضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به كأن كفر غيرهم ليس بشىء عند كفرهم (أُولئِكَ)