(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢٤)
____________________________________
به فيندرج تحته ما نحن بصدده من الإيمان بالقرآن الذى عبر عنه بالكون على بينة من الله وإنما يحصل ذلك باستماع الوحى والتدبر فيه ومشاهدة ما يؤدى إلى ذلك فى الأنفس والآفاق أو فعلوا الإيمان كما فى* يعطى ويمنع (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) أى اطمأنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخضوع* والتواضع من الخبت وهى الأرض المطمئنة ومعنى اخبت دخل فى الخبت كأنهم وأنجد دخل فى تهامة* ونجد (أُولئِكَ) المنعوتون بتلك النعوت الجميلة (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) دائمون وبعد بيان تباين حاليهما عقلا أريد بيان تباينهما حسا فقيل (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) المذكورين أى حالهما العجيب لأن المثل* لا يطلق إلا على ما فيه غرابة من الأحوال والصفات (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) أى كحال هؤلاء فيكون ذواتهم كذواتهم والكلام وإن أمكن أن يحمل على تشبيه الفريق الأول بالأعمى وبالأصم وتشبيه الفريق الثانى بالبصير وبالسميع لكن الأدخل فى المبالغة والأقرب إلى ما يشير إليه لفظ المثل والأنسب بما سبق من وصف الكفرة بعدم استطاعة السمع وبعدم الإبصار أن يحمل على تشبيه الفريق الأول بمن جمع بين العمى والصمم وتشبيه الفريق الثانى بمن جمع بين البصر والسمع على أن تكون الواو فى قوله تعالى (وَالْأَصَمِ) وفى قوله (وَالسَّمِيعِ) لعطف الصفة على الصفة كما فى قول من قال[إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة فى المزدحم] وأيا ما كان فالظاهر أن المراد بالحال المدلول عليها بلفظ المثل وهى التى يدور عليها أمر التشبيه ما يلائم الأحوال المذكورة المعتبرة فى جانب المشبه به من تعامى الفريق الأول عن مشاهدة آيات الله المنصوبة فى العالم والنظر إليها بعين الاعتبار وتصامهم عن استماع آيات القرآن الكريم وتلقيها بالقبول حسبما ذكر فى قوله تعالى (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) وإنما لم يراع هذا الترتيب ههنا لكون الأعمى أظهر وأشهر فى سوء الحال من الأصم ومن استعمال الفريق الثانى لكل من أبصارهم وأسماعهم فيما ذكر كما ينبغى المدلول عليه بما سبق من الإيمان والعمل الصالح والإخبات حسبما فسر به فيما مر فلا يكون التشبيه تمثيليا لا جميع الأحوال المعدودة لكل من الفريقين مما ذكر وما يؤدى إليه من العذاب المضاعف والخسران البالغ فى أحدهما ومن النعيم المقيم فى الآخر فإن اعتبار ذلك ينزع إلى كون التشبيه تمثيليا بأن ينتزع من حال الفريق الأول فى تصامهم وتعاميهم المذكورين ووقوعهم بسبب ذلك فى العذاب المضاعف والخسران الذى لا خسران فوقه هيئة فتشبه بهيئة منتزعة ممن فقد مشعرى البصر والسمع فتخبط فى مسلكه فوقع فى مهاوى الردى ولم يجد إلى مقصده سبيلا وينتزع من حال الفريق الثانى فى استعمال مشاعرهم فى آيات الله تعالى حسبما ينبغى وفوزهم بدار الخلود هيئة فتشبيه بهيئة منتزعة ممن له بصر وسمع يستعملهما فى مهماته فيهتدى إلى سبيله وينال مرامه* (هَلْ يَسْتَوِيانِ) يعنى الفريقين المذكورين والاستفهام إنكارى مذكر لما سبق من إنكار المماثلة فى قوله* عزوجل (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) الآية (مَثَلاً) أى حالا وصفة وهو تمييز من فاعل يستويان (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أى أتشكون فى عدم الاستواء وما بينهما من التباين أو أتغفلون عنه فلا تتذكرونه بالتأمل فيما ضرب