(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٢٥)
____________________________________
لكم من المثل فيكون الإنكار واردا على المعطوفين معا أو أتسمعون هذا فلا تتذكرون فيكون راجعا إلى عدم التذكر بعد تحقق ما يوجب وجوده وهو المثل المضروب كما فى قوله تعالى (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) فإن الفاء هناك لإنكار الانقلاب بعد تحقق ما يوجب عدمه من علمهم بخلو الرسل قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو أفلا تفعلون التذكر أو أفلا تعقلون ومعنى الهمزة إنكار عدم التذكر واستبعاد صدوره عن المخاطبين وأنه ليس مما يصلح أن يقع لا من قبيل الإنكار فى قوله تعالى (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) وقوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِيانِ) فإن ذلك لنفى المماثلة ونفى الاستواء. ولما بين من فاتحة السورة الكريمة إلى هذا المقام أيها كتاب محكم الآيات مفصلها نازل فى شأن التوحيد وترك عبادة غير الله سبحانه وأن الذى أنزل عليه نذير وبشير من جهته تعالى وقرر فى تضاعيف ذلك ماله مدخل فى تحقيق هذا المرام من الترغيب والترهيب وإلزام المعاندين بما يقارنه من الشواهد الحقة الدالة على كونه من عند الله تعالى وتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم مما عراه من ضيق الصدر العارض له من اقتراحاتهم الشنيعة وتكذيبهم له وتسميتهم للقرآن تارة سحر وأخرى مفترى وتثبيته صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين على التمسك به والعمل بموجبه على أبلغ وجه وأبدع أسلوب شرع فى تحقيق ما ذكر وتقريره بذكر قصص الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين المشتملة على ما اشتمل عليه فاتحة السورة الكريمة ليتأكد ذلك بطريقين أحدهما أن ما أمر به من التوحيد وفروعه مما أطبق عليه الأنبياء قاطبة والثانى أن ذلك إنما علمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بطريق الوحى فلا يبقى فى حقيته كلام أصلا وليتسلى بما يشاهده من معاناة الرسل قبله من أممهم ومقاساتهم الشدائد من جهتهم فقيل (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) الواو ابتدائية واللام جواب قسم محذوف وحرفه الباء لا الواو كما فى سورة الأعراف لئلا يجتمع واوان ولا يكاد تطلق هذه اللام إلا مع قد لأنها مظنة التوقع وأن المخاطب إذا سمعها توقع وقوع ما صدر بها ونوح هو ابن لمك بن متوشلخ بن إدريس عليهماالسلام وهو أول نبى بعث بعده. قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بعث صلىاللهعليهوسلم على رأس أربعين من عمره ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين سنة وكان عمره ألفا وخمسين سنة وقال مقاتل بعث وهو ابن مائة سنة وقيل وهو ابن خمسين سنة وقيل وهو ابن مائتين وخمسين سنة ومكث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمره ألفا وأربعمائة وخمسين سنة (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ) * بالكسر على إرادة القول أى فقال أو قائلا وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائى بالفتح على إضمار حرف الجر أى أرسلناه ملتبسا بذلك الكلام وهو إنى لكم نذير بالكسر فلما اتصل به الجار فتح كما فتح فى كأن والمعنى على الكسر وهو قولك إن زيدا كالأسد واقتصر على ذكر كونه صلىاللهعليهوسلم نذيرا لا لأن دعوته صلىاللهعليهوسلم كانت بطريق الإنذار فقط ألا يرى إلى قوله تعالى (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) الخ بل لأنهم لم يغتنموا مغانم إبشاره صلىاللهعليهوسلم (مُبِينٌ) أبين لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص* منه لأن الإنذار إعلام المحذور لا لمجرد التخويف والازعاج بل للحذر منه فيتعلق بكلا وصفيه