(أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) (٢٧)
____________________________________
(أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أى بأن لا تعبدوا على أن أن مصدرية والباء متعلقة بأرسلنا ولا ناهية أى أرسلناه ملتبسا بنهيهم عن الشرك إلا أنه وسط بينهما بيان بعض أوصافه وأحواله صلىاللهعليهوسلم وهو كونه نذيرا مبينا ليكون أدخل فى القبول ولم يفعل ذلك فى صدر السورة لئلا يفرق بين الكتاب ومضمونه بما ليس من أوصافه وأحواله أو مفسرة متعلقة به أو بنذير أو مفعول لمبين وعلى قراءة الفتح بدل من أنى لكم نذير مبين وتعيين لما يوجب وقوع المحذور وتبيين لوجه الخلاص وهو عبادة الله تعالى وقوله تعالى (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) تعليل لموجب النهى وتصريح بالمحذور وتحقيق للإنذار والمراد به يوم القيامة أو يوم الطوفان ووصفه بالأليم على الإسناد المجازى للمبالغة كما فى نهاره صائم وهذه المقالة وما فى معناها مما قاله صلىاللهعليهوسلم فى أثناء الدعوة على ما عزى إليه فى سائر السور لما لم تصدر عنه صلىاللهعليهوسلم مرة واحدة بل كان يكررها عليهم فى تلك المدة المتطاولة على ما نطق به قوله تعالى (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) الآيات عطف على فعل الإرسال المقارن لها أو القول المقدر بعده جوابهم المتعرض لأحوال المؤمنين الذين اتبعوه صلىاللهعليهوسلم بعد اللتيا والتى بالفاء التعقيبية فقيل (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) أى الأشراف منهم من قولهم فلان ملىء بكذا أى مطيق له لأنهم ملئوا بكفايات الأمور أو لأنهم ملئوا القلوب هيبة والمجالس أبهة أر لأنهم ملئوا بالأحلام والآراء الصائبة ووصفهم بالكفر لذمهم والتسجيل عليهم بذلك من* أول الأمر لا لأن بعض أشرافهم ليسوا بكفرة (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) مرادهم ما أنت إلا بشرا مثلنا ليس فيك مزية تخصك من دوننا بما تدعيه من النبوة ولو كان كذلك لرأيناه لا أن ذلك محتمل ولكن لا نراه* وكذا الحال فى قولهم (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) فالفعلان من رؤية العين وقوله تعالى (إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) حال من المفعول وكذا قوله (اتَّبَعَكَ) فى موضع الحال منه إما على حاله أو بتقدير قد عند من يشترط ذلك ويجوز أن يكون من رؤية القلب وهو الظاهر فهما المفعول الثانى وتعلق الرأى فى الأول بالمثلية لا بالبشرية فقط وإنما لم يبتوا القول بذلك مع جزمهم به وإصرارهم عليه إراءة بأن ذلك لم يصدر عنهم جزافا بل بعد التأمل فى الأمر والتدبر فيه ولذلك اقتصروا على ذكر الظن فيما سيأتى وتعريضا من أول الأمر برأى المتبين فكأن قولهم وما نراك جواب عما يرد عليهم من أنه صلىاللهعليهوسلم ليس مثلهم حيث عاين دلائل نبوته واغتنم اتباعه من له عين تبصر وقلب يدرك فزعموا أن هؤلاء أراذلنا أى أخساؤنا وأدانينا جمع أرذل فإنه صار بالغلبة جاريا مجرى الاسم كالأكبر والأكابر أو جمع أرذل جمع رذل كأكالب وأكلب وكلب يعنون أنه لا عبرة باتباعهم لك إذ ليس لهم رزانة عقل ولا إصالة رأى وقد كان ذلك منهم فى بادى الرأى أى ظاهره من غير تعمق من البدو أو فى أوله من البدء والياء مبدلة من الهمزة لانكسار ما قبلها وقد