(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) (٢٨)
____________________________________
قرأه أبو عمرو بها وانتصابه على الظرفية على حذف المضاف أى وقت حدوث بادى الرأى والعامل فيه اتبعك وإنما استرذلوهم مع كونهم أولى الألباب الراجحة لفقرهم فإنهم لما لم يعلموا إلا ظاهر الحياة الدنيا كان الأشرف عندهم الأكثر منها حظا والأرذل من حرمها ولم يفقهوا أن ذلك لا يزن عند الله جناح بعوضة وأن النعيم إنما هو نعيم الآخرة والأشرف من فازبه والأرذل من حرمه نعوذ بالله تعالى من ذلك (وَما نَرى لَكُمْ) أى لك ولمتبعيك فغلب المخاطب على الغائبين (عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) يعنون أن اتباعهم* لك لا يدل على نبوتك ولا يجديهم فضيلة تستتبع اتباعنا لكم واقتصارهم ههنا على ذكر عدم رؤية الفضل بعد تصريحهم برذالتهم فيما سبق باعتبار حالهم السابق واللاحق ومرادهم أنهم كانوا أراذل قبل اتباعهم لك ولا نرى فيهم وفيك بعد الاتباع فضيلة علينا (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) جميعا لكون كلامكم واحدا ودعواكم* واحدة أو إياك فى دعوى النبوة وإياهم فى تصديقك واقتصارهم على الظن احتراز منهم عن نسبتهم إلى المجازفة ومجاراة معه صلىاللهعليهوسلم بطريق الإراءة على نهج الإنصاف (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) أى أخبرونى وفيه إيماء ٢٨ إلى ركاكة رأيهم المذكور (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) برهان ظاهر (مِنْ رَبِّي) وشاهد يشهد بصحة دعواى* (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) هى النبوة ويجوز أن تكون هى البينة نفسها جىء بها إيذانا بأنها مع كونها بينة* من الله تعالى رحمة ونعمة عظيمة من عنده فوجه إفراد الضمير فى قوله تعالى (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) حينئذ* ظاهر وإن أريد بها النبوة وبالبينة البرهان الدال على صحتها فالإفراد لإرادة كل واحدة منهما أو لكون الضمير للبينة والاكتفاء بذلك لاستلزام خفائها خفاء النبوة أو لتقدير فعل آخر بعد البينة ومعنى عميت أخفيت وقرىء عميت ومعناه خفيت وحقيقته أن الحجة كما تجعل مبصرة وبصيرة تجعل عمياء لأن الأعمى لا يهتدى ولا يهدى غيره وفى قراءة أبى فعماها عليكم على الإسناد إلى الله عزوجل (أَنُلْزِمُكُمُوها) أى أنكرهكم* على الاهتداء بها وهو جواب أرأيتم وساد مسد جواب الشرط وقرأ أبو عمرو بإخفاء حركة الميم وحيث اجتمع ضميران منصوبان وقد قدم أعرفهما جاز فى الثانى الوصل والفصل فوصل كما فى قوله تعالى (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ (وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) لا تختارونها ولا تتأملون فيها ومحصول الجواب أخبرونى إن كنت على حجة* ظاهرة الدلالة على صحة دعواى إلا أنها خافية عليكم غير مسلمة عندكم أيمكننا أن نكرهكم على قبولها وأنتم معرضون عنها غير متدبرين فيها أى لا يكون ذلك وظاهره مشعر بصدوره عنه صلىاللهعليهوسلم بطريق إظهار اليأس عن إلزامهم والقعود عن محاجتهم كقوله تعالى (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) الخ لكنه محمول على أن مراده صلىاللهعليهوسلم ردهم عن الإعراض عنها وحثهم على التدبر فيها بصرف الإنكار إلى الإلزام حال كراهتهم لها لا إلى الإلزام مطلقا هذا ويجوز أن يكون المراد بالبينة دليل العقل الذى هو ملاك الفضل وبحسبه يمتاز أفراد البشر بعضها من بعض وبه يناط الكرامة عند الله عزوجل والاجتباء للرسالة وبالكون عليها التمسك به والثبات