(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) (٢٩)
____________________________________
عليه وبخفائها على الكفرة على أن الضمير للبينة عدم إدراكهم لكونه صلىاللهعليهوسلم عليها وبالرحمة النبوة التى أنكروا اختصاصه صلىاللهعليهوسلم بها بين ظهرانيهم والمعنى أنكم زعمتهم أن عهد النبوة لا يناله إلا من له فضيلة على سائر الناس مستتبعة لاختصاصه به دونهم أخبرونى إن امتزت عنكم بزيادة مزبة وحيازة فضيلة من ربى وآتانى بحسبها نبوة من عنده فخفيت عليكم تلك البينة ولم تصيبوها ولم تنالوها ولم تعلموا حيازتى لها وكونى عليها إلى الآن حتى زعمتم أنى مثلكم وهى متحققة فى نفسها أنلزمكم قبول نبوتى التابعة لها والحال أنكم كارهون لذلك فيكون الاستفهام للحمل على الإقرار وهو الأنسب بمقام المحاجة وحينئذ يكون كلامه صلىاللهعليهوسلم جوابا عن شبههم التى أدرجوها فى خلال مقالهم من كونه صلىاللهعليهوسلم بشرا قصارى أمره أن يكون مثلهم من غير فضل له عليهم وقطعا لشأفة آرائهم الركيكة (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أى على ما قلته فى أثناء* دعوتكم (مالاً) تؤدونه إلى بعد إيمانكم واتباعكم لى فيكون ذلك أجرا لى فى مقابلة اهتدائكم (إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) الذى يثيبنى فى الآخرة وفى التعبير عنه حين نسب إليهم بالمال مالا يخفى من المزية* (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) جواب عمالوحوا به بقولهم وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا من أنه لو اتبعه الأشراف لوافقوهم وأن اتباع الفقراء مانع لهم عن ذلك كما صرحوا به فى قولهم أنؤمن لك واتبعك الأرذلون فكان ذلك التماسا منهم لطردهم وتعليقا لإيمانهم به صلىاللهعليهوسلم بذلك أنفة من الانتظام معهم فى* سلك واحد (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) تعليل لامتناعه صلىاللهعليهوسلم عن طردهم أى إنهم فائزون فى الآخرة بلقاء الله عزوجل كأنه قيل لا أطردهم ولا أبعدهم عن مجلسى لأنهم مقربون فى حضرة القدس والتعرض لوصف الربوبية لتربية وجوب رعايتهم وتحتم الامتناع عن طردهم أو مصدقون فى الدنيا بلقاء ربهم موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة فكيف أطردهم وحمله على معنى أنهم يلاقونه فيجازيهم على ما فى قلوبهم من إيمان صحيح ثابت كما ظهر لى أو على خلاف ذلك مما تعرفونهم به من بناء إيمانهم على بادى الرأى من غير نظر وتفكر وما على أن أشق عن قلوبهم وأتعرف سر ذلك منهم حتى أطردهم إن كان الأمر كما تزعمون يأباه الجزم بترتب غضب الله عزوجل على طردهم كما سيأتى وأيضا فهم إنما قالوا إن اتباعهم لك إنما هو بحسب بادى الرأى بلا تأمل وتفكر وهذا لا يكاد يصلح مدارا للطرد فى الدنيا ولا للمؤاخذة فى الآخرة غايته أن لا يكونوا فى مرتبة المؤقنين وادعاء أن بناء الإيمان على ظاهر الرأى يؤدى إلى الرجوع عنه عند التأمل فكأنهم قالوا إنهم اتبعوك بلا تأمل فلا يثبتون على دينك بل يرتدون عنه تعسف لا يخفى* (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) بكل ما ينبغى أن يعلم ويدخل فيه جهلهم بلقاء الله عزوجل وبمنزلتهم عنده وباستيجاب طردهم لغضب الله كما سيأتى وبركاكة رأيهم فى التماس ذلك وتوقيف إيمانهم عليه أنفة عن الانتظام معهم فى سلك واحد وزعما منهم أن الرذالة بالفقر والشرف بالغنى وإيثار صيغة الفعل للدلالة