(وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٣١)
____________________________________
على التجدد والاستمرار أو تتسافهون على المؤمنين بنسبتهم إلى الخساسة (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) يدفع حلول سخطه عنى (إِنْ طَرَدْتُهُمْ) فإن ذلك أمر لا مرد له لكون الطرد ظلما موجبا لحلول السخط* قطعا وإنما لم يصرح به إشعارا بأنه غنى عن البيان لا سيما غبما قدم ما يلوح به من أحوالهم فكأنه قيل من يدفع عنى غضب الله تعالى إن طردتهم وهم بتلك المثابة من الكرامة والزلفى كما ينبىء عنه قوله تعالى (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أى أتستمرون على ما أنتم عليه من الجهل المذكور فلا تتذكرون ما ذكر من حالهم حتى تعرفوا أن ما تأتونه بمعزل عن الصواب ولكون هذه العلة مستقلة بوجه مخصوص ظاهر الدلالة على وجوب الامتناع عن الطرد أفردت عن التعليل السابق وصدرت بياقوم (وَلا أَقُولُ لَكُمْ) حين أدعى النبوة (عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) أى رزقه وأمواله حتى تستدلوا بعدمها على كذبى بقولكم وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين فإن النبوة أعز من أن تنال بأسباب دنيوية ودعواها بمعزل عن ادعاء المال والجاه (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) أى لا أدعى فى قولى إنى لكم نذير مبين إنى أخاف عليكم عذاب يوم أليم علم الغيب حتى تسارعوا إلى الإنكار والاستبعاد (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) حتى تقولوا ما نراك إلا بشرا مثلنا فإن البشرية ليست من* موانع النبوة بل من مباديها يعنى إنكم اتخذتم فقدان هذه الأمور الثلاثة ذريعة إلى تكذيبى والحال أنى لا أدعى شيئا من ذلك ولا الذى أدعيه يتعلق بشىء منها وإنما يتعلق بالفضائل النفسانية التى بها تتفاوت مقادير البشر (وَلا أَقُولُ) مساعدة لكم كما تقولون (لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) أى تقتحمهم وتحتقرهم من* زراه إذا عابه وإسناد الازدراء إلى أعينهم بالنظر إلى قولهم وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا وإما للإشعار بأن ذلك لقصور نظرهم ولو تدبروا فى شأنهم ما فعلوا ذلك أى لا أقول فى شأن الذين استرذلتموهم لفقرهم من المؤمنين (لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) فى الدنيا أو فى الآخرة فعسى الله أن يؤتيهم خيرى الدارين* إن قلت هذا القول ليس مما تستنكره الكفرة ولا مما يتوهمون صدوره عنه صلىاللهعليهوسلم أصالة أو استتباعا كادعاء الملكية وعلم الغيب وحيازة الخزائن مما نفاه صلىاللهعليهوسلم عن نفسه بطريق التبرؤ والتنزه عنه فمن أى وجه عطف نفيه على نفيها قلت من جهة أن كلا النفيين رد لقياسهم الباطل الذى تمسكوا به فيما سلف فإنهم زعموا أن النبوة تستتبع الأمور المذكورة وأنها لا تتسنى ممن ليس على تلك الصفات فإن العثور على مكانها واغتنام مغانمها ليس من دأب الأراذل فأجاب صلىاللهعليهوسلم بنفى ذلك جميعا فكأنه قال لا أقول وجود تلك الأشياء من مواجب النبوة ولا عدم المال والجاه من موانع الخير (اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ) من الإيمان* وإنما اقتصر على نفى القول المذكور مع أنه صلىاللهعليهوسلم جازم بأن الله سبحانه سيؤتيهم خيرا عظيما فى الدارين وأنهم على يقين راسخ فى الإيمان جريا على سنن الانصاف مع القوم واكتفاء بمخالفة كلامهم وإرشادا