(قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٣٤)
____________________________________
لهم إلى مسلك الهداية بأن اللائق لكل أحد أن لا يبت القول إلا فيما يعلمه يقينا ويبنى أموره على الشواهد* الظاهرة ولا يجازف فيما ليس فيه على بينة ظاهرة (إِنِّي إِذاً) أى إذا قلت ذلك (لَمِنَ الظَّالِمِينَ) لهم بحط مرتبتهم ونقص حقوقهم أو من الظالمين لأنفسهم بذلك فإن وباله راجع إلى أنفسهم وفيه تعريض بأنهم ظالمون فى ازدرائهم واسترذالهم وقيل إذا قلت شيئا مما ذكر من ادعاء الملكية وعلم الغيب وحيازة الخزائن وهو بعيد لأن تبعة تلك الأقوال مغنية عن التعليل بلزوم الانتظام فى زمرة الظالمين (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا) خاصمتنا (فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) أى أطلته أو أتيته بأنواعه فإن إكثار الجدال يتحقق بعد وقوع أصله فلذلك عطف عليه بالفاء أو أردت ذلك فأكثرته كما فى قوله تعالى (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) ولما حجهم صلىاللهعليهوسلم وأبرز لهم بينات واضحة المدلول وحججا تتلقاها العقول بالقبول وألقمهم* الحجر برد شبههم الباطلة ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل وقالوا (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب الذى أشير إليه فى قوله إنى أخاف عليكم عذاب يوم أليم على تقدير أن لا يكون المراد باليوم يوم القيامة (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فيما تقول (قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ) يعنى أن ذلك ليس موكولا إلى ولا هو مما يدخل تحت قدرتى وإنما يتولاه الله الذى كفرتم به وعصيتموه يأتيكم به عاجلا أو آجلا إن تعلق به مشيئته التابعة للحكمة وفيه مالا يخفى من تهويل الموعود فكأنه قيل الإتيان به أمر خارج عن دائرة* القوى البشرية وإنما يفعله الله عزوجل (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) بالهرب أو بالمدافعة كما تدافعوننى فى الكلام (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) النصح كلمة جامعة لكل ما يدور عليه الخير من قول أو فعل وحقيقته امحاض إرادة* الخير والدلالة عليه ونقيضه الغش وقيل هو إعلام موقع الغى ليتقى وموضع الرشد ليقتفى (إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) شرط حذف جوابه لدلالة ما سبق عليه والتقدير إن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحى* وهذه الجملة دليل على ما حذف من جواب قوله تعالى (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) والتقدير إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحى هذا على ما ذهب إليه البصريون من عدم تقديم الجزاء على الشرط وأما على ما ذهب إليه الكوفيون من جوازه فقوله عز وعلا (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) جزاء للشرط الأول والجملة جزاء للشرط الثانى وعلى التقديرين فالجزاء متعلق بالشرط الأول وتعلقه به معلق بالشرط الثانى وهذا الكلام متعلق بقولهم قد جادلتنا فأكثرت جدالنا صدر عنه صلىاللهعليهوسلم إظهارا للعجز عن إلزامهم بالحجج والبينات لتماديهم فى العناد وإيذانا بأن ما سبق منه ليس بطريق الجدال والخصام بل