(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (٥٢)
____________________________________
تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وتعليل للأمر بالصبر فإن كون العاقبة الحميدة للمتقين وهو فى أقصى درجات التقوى والمؤمنون كلهم متقون مما يسليه صلىاللهعليهوسلم ويهون عليه الخطوب ويذهب عنه ما عسى يعتريه من ضيق صدره وهذا على تقدير أن يراد بالتقوى الدرجة الأولى منه أعنى التوقى من العذاب المخلد بالتبرؤ من الشرك وعليه قوله تعالى (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) ويجوز أن يراد الدرجة الثالثة منه وهى أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق ويتبتل إليه بشراشره وهو التقوى الحقيقى المطلوب بقوله تعالى (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) فإن التقوى بهذا المعنى منطو على الصبر المذكور فكأنه قيل فاصبر فإن العاقبة للصابرين (وَإِلى عادٍ) متعلق بمضمر* معطوف على قوله تعالى (أَرْسَلْنا) فى قصة نوح وهو الناصب لقوله تعالى (أَخاهُمْ) أى وأرسلنا إلى عاد أخاهم أى واحدا منهم فى النسب كقولهم يا أخا العرب وتقديم المجرور على المنصوب ههنا للحذار عن الإضمار قبل الذكر وقيل متعلق بالفعل المذكور فيما سبق وأخاهم معطوف على نوحا وقد مر فى سورة الأعراف* وقوله تعالى (هُوداً) عطف بيان لأخاهم وكان صلىاللهعليهوسلم من جملتهم فإنه هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود ابن العوص بن إرم بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام وقيل هود بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح* ابن عم أبى عاد وإنما جعل منهم لأنهم أفهم لكلامه وأعرف بحاله وأرغب فى اقتفائه (قالَ) لما كان ذكر* إرساله صلىاللهعليهوسلم إليهم مظنة للسؤال عما قال لهم ودعاهم إليه أجيب عنه بطريق الاستئناف فقيل قال (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أى وحدوه كما ينبىء عنه قوله تعالى (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) فإنه استئناف يجرى مجرى البيان للعبادة المأمور بها والتعليل للأمر بها كأنه قيل خصوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئا إذ ليس لكم من إله* سواه وغيره بالرفع صفة لإله باعتبار محله وقرىء بالجر حملا له على لفظه (إِنْ أَنْتُمْ) ما أنتم باتخاذكم* الأصنام شركاء له او بقولكم إن الله أمرنا بعبادتها (إِلَّا مُفْتَرُونَ) عليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي) خاطب به كل نبى قومه إزاحة لما عسى يتوهمونه وإمحاضا للنصيحة فإنها ما دامت مشوبة بالمطامع بمعزل عن التأثير وإيراد الموصول للتفخيم وجعل الصلة فعل الفطرة لكونه أقدم النعم الفائضة من جناب الله تعالى المستوجبة للشكر الذى لا يتأتى إلا بالجريان على موجب أمره الغالب معرضا عن المطالب الدنيوية التى من جملتها الأجر (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أى أتغفلون عن هذه القضية أو ألا تتفكرون فيها فلا تعقلونها أو أتجهلون كل شىء فلا تعقلون ٥٢ شيئا أصلا فإن هذا مما لا ينبغى أن يخفى على أحد من العقلاء (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) أى أطلبوا مغفرته