(قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (٥٤)
____________________________________
لما سلف منكم من الذنوب بالإيمان والطاعة (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أى توسلوا إليه بالتوبة وأيضا التبرؤ من الغير* إنما يكون بعد الإيمان بالله تعالى والرغبة فيما عنده (يُرْسِلِ السَّماءَ) أى المطر (عَلَيْكُمْ مِدْراراً) أى كثير* الدرور (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً) مضافة ومنضمة (إِلى قُوَّتِكُمْ) أى يضاعفها لكم وإنما رغبهم بكثرة المطر لأنهم* كانوا أصحاب زروع وعمارات وقيل حبس الله تعالى عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاث سنين فوعدهم عليه الصلاة والسلام كثرة الأمطار وتضاعف القوة بالتناسل على الإيمان والتوبة (وَلا تَتَوَلَّوْا) أى* لا تعرضوا عما دعوتكم إليه (مُجْرِمِينَ) مصرين على ما كنتم عليه من الإجرام (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) أى بحجة تدل على صحة دعواك وإنما قالوه لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بما جاءهم من البينات الفائتة للحصر (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا) أى بتاركى عبادتها (عَنْ قَوْلِكَ) أى صادرين عنه أى صادرا تركنا عن ذلك* بإسناد حال الوصف إلى الموصوف ومعناه التعليل على أبلغ وجه لدلالته على كونه علة فاعلية ولا يفيده الباء واللام وهذا كقولهم المنقول عنهم فى سورة الأعراف أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) أى بمصدقين فى شىء مما تأتى وتذر فيندرج تحته ما دعاهم إليه من التوحيد وترك* عبادة الآلهة وفيه من الدلالة على شدة الشكيمة وتجاوز الحد فى العتو مالا يخفى (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ) أى ما نقول إلا قولنا اعتراك أى أصابك (بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) بجنون لسبك إياها وصدك عن عبادتها* وحطك لها عن رتبة الألوهية والمعبودية بما مر من قولك (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) والتنكير فى سوء للتقليل كأنهم لم يبالغوا فى السوء كما ينبىء عنه نسبة ذلك إلى بعض آلهتهم دون كلها والجملة مقول القول وإلا لغو لأن الاستثناء مفرغ وهذا الكلام مقرر لما مر من قولهم (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا) عن قولك (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) فإن اعتقادهم بكونه عليه الصلاة والسلام كما قالوا وحاشاه عن ذلك يوجب عدم الاعتداد بقوله وعده من قبيل الخرافات فضلا عن التصديق والعمل بمقتضاه يعنون أنا لا نعد كلامك إلا من قبيل مالا يحتمل الصدق والكذب من الهذيانات الصادرة عن المجانين فكيف نصدقه ونؤمن به ونعمل بموجبه ولقد سلكوا فى طريقة المخالفة والعناد إلى سبيل الترقى من الأدنى إلى الأعلى حيث أخبروا أولا عن عدم مجيئه بالبينة مع احتمال كون ما جاء به عليه الصلاة والسلام حجة فى نفسه وإن لم تكن واضحة الدلالة على المراد وثانيا عن ترك الامتثال بقوله عليه الصلاة والسلام بقولهم (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) مع إمكان تحقق ذلك بتصديقهم له عليه الصلاة والسلام فى كلامه ثم نفوا تصديقهم له عليه الصلاة والسلام بقولهم (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) مع كون كلامه عليه الصلاة والسلام مما يقبل التصديق ثم نفوا عنه تلك المرتبة أيضا حيث قالوا ما قالوا (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* (قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ