مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٦)
____________________________________
(مِنْ دُونِهِ) أى من إشراككم من دون الله أى من غير أن ينزل به سلطانا كما قال فى سورة الأعراف (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أو مما تشركونه من آلهة غير الله أجاب به عن مقالتهم الحمقاء المبنية على اعتقاد كون آلهتهم مما يضر أو ينفع وأنها بمعزل من ذلك ولما كان ما وقع أولا منه عليه الصلاة والسلام فى حق آلهتهم من كونها بمعزل عن الألوهية إنما وقع فى ضمن الأمر بعبادة الله تعالى واختصاصه بها وقد شق عليهم ذلك وعدوه مما يورث شينا حتى زعموا أنها تصيبه عليه الصلاة والسلام بسوء مجازاة لصنيعه معها صرح عليه الصلاة والسلام بالحق وصدع به حيث أخبر ببراءته القديمة عنها بالجملة الاسميه المصدرة بأن وأشهد الله على ذلك وأمرهم بأن يسمعوا ذلك ويشهدوا به استهانة بهم ثم أمرهم بالاجتماع والاحتشاد مع آلهتهم جميعا دون بعض منها حسبما يشعر به قولهم بعض آلهتنا والتعاون* فى إيصال الكيد إليه عليه الصلاة والسلام ونهاهم عن الإنظار والإمهال فى ذلك فقال (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) أى إن صح ما لوحتم به من كون آلهتكم مما يقدر على إضرار من ينال منها ويصد عن عبادتها ولو بطريق ضمنى فإنى برىء منها فكونوا أنتم معها جميعا وباشروا كيدى ثم لا تمهلونى ولا تسامحونى فى ذلك فالفاء لتفريع الأمر على زعمهم فى قدرة آلهتهم على ما قالوا وعلى البراءة كليهما وهذا من أعظم المعجزات فإنه عليه الصلاة والسلام كان رجلا مفردا بين الجم الغفير والجمع الكثير من عتاة عاد الغلاظ الشداد وقد خاطبهم بما خاطبهم وحقرهم وآلهتهم وهيجهم على مباشرة مبادى المضادة والمضارة وحثهم على التصدى لأسباب المعازة والمعارة فلم يقدروا على مباشرة شىء مما كلفوه وظهر عجزهم عن ذلك ظهورا بينا كيف لا وقد التجأ إلى ركن منيع رفيع واعتصم بحبل متين حيث قال (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) يعنى إنكم وإن بذلتم فى مضارتى مجهودكم لا تقدرون على شىء مما تريدون بى فإنى متوكل على الله تعالى وإنما جىء بلفظ الماضى لكونه أدل على الإنشاء المناسب للمقام وواثق بكلاءتى وحفظى عن غوائلكم وهو* مالكى ومالككم لا يصدر عنكم شىء ولا يصيبنى أمر إلا بإرادته ومشيئته ثم برهن عليه بقوله (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) أى إلا هو مالك لها قادر عليها يصرفها كيف يشاء غير مستعصية عليه فإن الأخذ* بالناصية تمثيل لذلك (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) تعليل لما يدل عليه التوكل من عدم قدرتهم على إضراره أى هو على الحق والعدل فلا يكاد يسلطكم على إذ لا يضيع عنده معتصم ولا يفتات عليه ظالم والاقتصار على إضافة الرب إلى نفسه إما بطريق الاكتفاء لظهور المراد وإما لأن فائدة كونه تعالى مالكا لهم أيضا راجعة إليه عليه الصلاة والسلام.