(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (٥٩)
____________________________________
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) أى تتولوا بحذف إحدى التاءين أى إن تستمروا على ما كنتم عليه من التولى والإعراض (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) أى لم أعاتب على تفريط فى الإبلاغ وكنتم محجوجين بأن بلغكم الحق* فأبيتم إلا التكذيب والجحود (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) استئناف بالوعيد لهم بأن الله تعالى يهلكهم* ويستخلف فى ديارهم وأموالهم قوما آخرين أو عطف على الجواب بالفاء ويؤيده قراءة ابن مسعود رضى الله عنه بالجزم عطفا على الموضع كأنه قيل فإن تولوا يعذرنى ويهلككم ويستخلف مكانكم آخرين وفى اقتصار إضافة الرب عليه عليهالسلام رمز إلى اللطف به والتدمير للمخاطبين (وَلا تَضُرُّونَهُ) بتوليكم* (شَيْئاً) من الضرر لاستحالة ذلك عليه ومن جزم ويستخلف أسقط منه النون (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) * أى رقيب مهيمن فلا تخفى عليه أعمالكم فيجازيكم بحسبها أو حافظ مستول على كل شىء فكيف يضره شىء وهو الحافظ للكل (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أى نزل عذابنا وفى التعبير عنه بالأمر مضافا إلى ضميره جل جلاله وعن نزوله بالمجىء مالا يخفى من التفخيم والتهويل أو ورد أمرنا بالعذاب (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) * وكانوا أربعة آلاف (بِرَحْمَةٍ) عظيمة كائنة لهم (مِنَّا) وهى الإيمان الذى أنعمنا به عليهم بالتوفيق له* والهداية إليه (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أى كانت تلك التنجية تنجية من عذاب غليظ وهى السموم التى* كانت تدخل أنوف الكفرة وتخرج من أدبارهم فتقطعهم إربا إربا وقيل أريد بالثانية التنجية من عذاب الآخرة ولا عذاب أغلظ منه وأشد وهذه التنجية وإن لم تكن مقيدة بمجىء الأمر لكن جىء بها تكملة للنعمة عليهم وتعريضا بأن المهلكين كما عذبوا فى الدنيا بالسموم فهم معذبون فى الآخرة بالعذاب الغليظ (وَتِلْكَ عادٌ) أنث اسم الإشارة باعتبار القبيلة أو لأن الإشارة إلى قبورهم وآثارهم (جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) كفروا بها بعد ما استيقنوها (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) جمع الرسل مع أنه لم يرسل إليهم غير هود عليه الصلاة* والسلام تفظيعا لحالهم وإظهارا لكمال كفرهم وعنادهم ببيان أن عصيانهم له عليه الصلاة والسلام عصيان لجميع الرسل السابقين واللاحقين لاتفاق كلمتهم على التوحيد لا نفرق بين أحد من رسله فيجوز أن يراد بالآيات ما أتى به هود وغيره من الأنبياء عليهمالسلام وفيه زيادة ملاءمة لما تقدم من جميع الآيات وما تأخر من قوله (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) من كبرائهم ورؤسائهم الدعاة إلى الضلال وإلى تكذيب* الرسل فكأنه قيل عصوا كل رسول واتبعوا أمر كل جبار وهذا الوصف ليس كما سبق من جحود الآيات وعصيان الرسل فى الشمول لكل فرد فرد منهم فإن الاتباع للأمر من أوصاف الأسافل دون الرؤساء