(قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) (٦٣)
____________________________________
أقدركم على عمارتها أو أمركم بها وقيل هو من العمرى بمعنى أعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لمثلكم (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) * فإن ما فصل من فنون الإحسان داع إلى الاستغفار عما وقع منهم من التفريط والتوبة عما كانوا يباشرونه من القبائح وقد زيد فى بيان ما يوجب ذلك فقيل (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ) أى قريب الرحمة كقوله تعالى (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (مُجِيبٌ) لمن دعاه وسأله وقد روعى فى النظم الكريم نكتة حيث قدم ذكر العلة* الباعثة المتقدمة على الأمر بالاستغفار والتوبة وأخر عنه ذكر الغائية المتأخرة عنهما فى الوجود أعنى الإجابة (قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) أى كنا نرجو منك لما كنا نرى منك من دلائل السداد ومخايل الرشاد أن تكون لنا سيدا ومستشارا فى الأمور وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فاضلا خيرا نقدمك على جميعنا وقيل كنا نرجو أن تدخل فى ديننا وتوافقنا على ما نحن عليه (قَبْلَ هذا) الذى باشرته من الدعوة* إلى التوحيد وترك عبادة الآلهة أو قبل هذا الوقت فكأنهم لم يكونوا إلى الآن على يأس من ذلك ولو بعد الدعوة إلى الحق فالآن قد انصرم عنك رجاؤنا وقرأ طلحة مرجوءا بالمد والهمزة (أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) أى عبدوه والعدول إلى صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية (وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) * من التوحيد وترك عبادة الأوثان وغير ذلك من الاستغفار والتوبة (مُرِيبٍ) أى موقع فى الريبة من* أرابه أى أوقعه فى الريبة أى قلق النفس وانتفاء الطمأنينة أو من أراب إذا كان ذاريبة وأيهما كان فالإسناد مجازى والتنوين فيه وفى شك للتفخيم (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) أى أخبرونى (إِنْ كُنْتُ) فى الحقيقة (عَلى بَيِّنَةٍ) أى حجة ظاهرة وبرهان وبصيرة (مِنْ رَبِّي) مالكى ومتولى أمرى (وَآتانِي مِنْهُ) من جهته (رَحْمَةً) نبوة* وهذه الأمور وإن كانت محققة الوقوع لكنها صدرت بكلمة الشك اعتبارا لحال المخاطبين ورعاية لحسن المحاورة لاستنزالهم عن المكابرة (فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) أى ينجينى من عذابه والعدول إلى الإظهار لزيادة التهويل والفاء لترتيب إنكار النصرة على ما سبق من إيتاء النبوة وكونه على بينة من ربه على تقدير العصيان حسبما يعرب عنه قوله تعالى (إِنْ عَصَيْتُهُ) أى بالمساهلة فى تبليغ الرسالة والمجاراة معكم فيما تأتون وتذرون فإن العصيان ممن ذلك شأنه أبعد والمؤاخذة عليه ألزم وإنكار نصرته أدخل (فَما تَزِيدُونَنِي) إذن* باستتباعكم إياى كما ينبىء عنه قولهم قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أى لا تفيدوننى إذ لم يكن فيه أصل الخسران حتى يزيدوه (غَيْرَ تَخْسِيرٍ) أى غير أن تجعلونى خاسرا بإبطال أعمالى وتعريضى لسخط الله تعالى أو فما*