(قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) (٨٠)
____________________________________
مبنى على سؤال نشأ من الإخبار بالإسرار المذكور كأنه قيل فماذا قال فى نفسه فى تضاعيف ذلك الإسرار فقيل قال (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) أى منزلة حيث سرقتم أخاكم من أبيكم ثم طفقتم تفترون على البرىء وقيل بدل* من أسرها والضمير للمقالة المفسرة بقوله أنتم شر مكانا (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) أى عالم علما بالغا إلى* أقصى المراتب بأن الأمر ليس كما تصفون من صدور السرقة منا بل إنما هو افتراء علينا فالصيغة لمجرد المبالغة لا لتفضيل علمه عزوجل على علمهم كيف لا وليس لهم بذلك من علم (قالُوا) عند ما شاهدوا مخايل أخذ بنيامين مستطفين (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً) لم يريدوا بذلك الإخبار بأن له أبا فإن ذلك معلوم* مما سبق وإنما أرادوا الإخبار بأن له أبا (شَيْخاً كَبِيراً) فى السن لا يكاد يستطيع فراقه وهو علالة به* يتعلل عن شقيقه الهالك (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ) فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) * إلينا فأتمم إحسانك بهذه التتمة أو المتعودين بالإحسان فلا تغير عادتك (قالَ مَعاذَ اللهِ) أى نعوذ بالله معاذا من (أَنْ نَأْخُذَ) فحذف الفعل وأقيم مقامه المصدر مضافا إلى المفعول به بعد حذف الجار (إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) لأن أخذنا له إنما هو بقضية فتواكم فليس لنا الإخلال بموجبها وإيثار صيغة التكلم مع الغير مع كون الخطاب من جانب إخوته على التوحيد من باب السلوك إلى سنن الملوك أو للإشعار بأن الأخذ والإعطاء ليس مما يستبد به بل هو منوط بآراء أولى الحل والعقد وإيثار من وجدنا متاعنا عنده دون سرق متاعنا لتحقيق الحق والاحتراز عن الكذب فى الكلام مع تمام المرام فإنهم لا يحملون وجدان الصواع فى الرحل على محمل غير السرقة (إِنَّا إِذاً) أى إذا أخذنا غير من وجدنا متاعنا عنده ولو* برضاه (لَظالِمُونَ) فى مذهبكم وما لنا ذلك وهذا المعنى هو الذى أريد بالكلام فى أثناء الحوار وله معنى* باطن هو أن الله عزوجل إنما أمرنى بالوحى أن آخذ بنيامين لمصالح علمها الله فى ذلك فلو أخفت غيره كنت ظالما وعاملا بخلاف الوحى (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ) أى يئسوا من يوسف وإجابته لهم أشد يأس بدلالة صيغة الاستفعال وإنما حصلت لهم هذه المرتبة من اليأس لما شاهدوه من عوذه بالله مما طلبوه الدال على كون ذلك عنده فى أقصى مراتب الكراهة وأنه مما يجب أن يحترز عنه ويعاذ منه بالله عزوجل ومن تسميته ظلما بقوله (إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (خَلَصُوا) اعتزلوا وانفردوا عن الناس (نَجِيًّا) أى ذوى نجوى على أن يكون* بمعنى النجوى والتناجى أو فوجا نجيا على أن يكون بمعنى المناجى كالشعير والسمير بمعنى المعاشر والمسامر