(وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٧٢)
____________________________________
البتة فإن السين مؤكدة للوقوع كما فى قولك سأنتقم منك (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) تعليل للوعد أى قوى قادر على* إعزاز أوليائه وقهر أعدائه (حَكِيمٌ) يبنى أحكامه على أساس الحكمة الداعية إلى إيصال الحقوق من* النعمة والنقمة إلى مستحقيها من أهل الطاعة وأهل المعصية وهذا وعد للمؤمنين متضمن لوعيد المنافقين كما أن ما سبق فى شأن المنافقين من قوله تعالى (فَنَسِيَهُمْ) وعيد لهم متضمن لوعد المؤمنين فإن منع لطفه تعالى عنهم لطف فى حق المؤمنين (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) تفصيل لآثار رحمته الأخروية إثر ذكر رحمته الدنيوية والإظهار فى موقع الإضمار لزيادة التقرير والإشعار بعلية وصف الإيمان لحصول ما تعلق به الوعد وعدم التعرض لذكر ما مر من الأمر بالمعروف وغير ذلك للإيذان بأنه من لوازمه ومستتبعاته أى وعدهم وعدا شاملا لكل أحد منهم على اختلاف طبقاتهم فى مراتب الفضل كيفا وكما (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) فإن كل أحد منهم فائز بها لا محالة (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) أى وعد بعض الخواص* الكمل منهم منازل تستطيبها النفوس أو يطيب فيها العيش. فى الخبر أنها قصور من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت الأحمر (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) هى أبهى أماكن الجنات وأسناها. عن النبى صلىاللهعليهوسلم عدن دار الله لم ترها* عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة النبيون والصديقون والشهداء يقول الله تعالى طوبى لمن دخلك وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن فى الجنة قصرا يقال له عدن حوله البروج والمروج وله خمسة آلاف باب على كل باب خمسة آلاف حوراء لا يدخله إلا نبى أو صديق أو شهيد وعن ابن مسعود رضى الله عنه هى بطنان الجنة وسرتها فعدن على هذا علم وقيل هو بمعناه اللغوى أعنى الإقامة والخلود فمرجع العطف إلى اختلاف الوصف وتغايره فكأنه وصفه أولا بأنه من جنس ما هو أشرف الأماكن المعروفة عندهم من الجنات ذات الأنهار الجارية ليميل إليها طباعهم أول ما يقرع أسماعهم ثم وصفه بأنه محفوف بطيب العيش معرى عن شوائب الكدورات التى لا تكاد تخلو عنها أماكن الدنيا وفيها ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين ثم وصفه بأنه دار إقامة وثبات فى جوار العليين لا يعتريهم فيها فناء ولا تغير ثم وعدهم بما هو أعلى من ذلك كله فقال (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) أى وشىء يسير من رضوانه تعالى (أَكْبَرُ) إذ عليه يدور* فوز كل خير وسعادة وبه يناط نيل كل شرف وسيادة ولعل عدم نظمه فى سلك الوعد مع عزته فى نفسه لأنه متحقق فى ضمن كل موعود ولأنه مستمر فى الدارين. روى أنه تعالى يقول لأهل الجنة هل رضيتم فيقولون ما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا وأى شىء أفضل من ذلك قال أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم أبدا (ذلِكَ) إشارة إلى ما سبق* ذكره وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجته فى العظم والفخامة (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) دون ما يعده* الناس فوزا من حظوظ الدنيا فإنها مع قطع النظر عن فنائها وتغيرها وتنغصها وتكدرها ليست