(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٩)
____________________________________
* قوله عزوجل (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ) أى بسبب إخلافهم ما وعدوه تعالى من التصدق والصلاح* (وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) أى وبكونهم مستمرين على الكذب فى جميع المقالات التى من جملتها وعدهم المذكور وتخصيص الكذب به يؤدى إلى تخلية الجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل عن المزية فإن تسبب الأعقاب المذكور بالإخلاف والكذب يقضى بإسناده إلى الله عزوجل إذ لا معنى لكونهما سببين لأعقاب البخل النفاق والتحقيق أنه لما كانت الفاء الدالة على الترتيب والتفريع منبئة عن ترتب أعقاب النفاق المخلد على أفعالهم المحكية عنهم من المعاهدة بالتصدق والصلاح والبخل والتولى والإعراض وفيها ما لا دخل له فى الترتب المذكور كالمعاهدة أزيح ما فى ذلك من الإبهام بتعيين ما هو المدار فى ذلك والله تعالى أعلم وقرىء بتشديد الذال (أَلَمْ يَعْلَمُوا) أى المنافقون أو من عاهد الله وقرىء بالتاء الفوقانية خطابا* للمؤمنين فالهمزة على الأول للإنكار والتوبيخ والتهديد أى ألم يعلموا (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) أى ما أسروا به فى أنفسهم وما تناجوا به فيما بينهم من المطاعن وتسمية الصدقة جزية وغير ذلك مما لا خير فيه* وسر تقديم السر على النجوى سيظهر فى قوله سبحانه (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) فلا يخفى عليه شىء من الأشياء حتى اجترءوا على ما اجترءوا عليه من العظائم وإظهار اسم الجلالة فى الموقعين لإلقاء الروعة وتربية المهابة وفى إيراد العلم المتعلق بسرهم ونجواهم بصيغة الفعل الدال على الحدوث والتجدد والعلم المتعلق بالغيوب الكثيرة الدائمة بصيغة الاسم الدال على الدوام والمبالغة من الفخامة والجزالة ما لا يخفى وعلى الثانى لتقرير علم المؤمنين بذلك وتنبيههم على أنه تعالى مؤاخذهم ومجازيهم بما علم من أعمالهم (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) نصب أو رفع على الذم ويجوز جره على البدلية من الضمير فى سرهم ونجواهم* وقرىء بضم الميم وهى لغة أى يعيبون (الْمُطَّوِّعِينَ) أى المتطوعين المتبرعين (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) حال من* المطوعين وقوله تعالى (فِي الصَّدَقاتِ) متعلق بيلمزون. روى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حث الناس على الصدقة فأتى عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب وقيل بأربعة آلاف درهم وقال كان لى ثمانية آلاف فأقرضت ربى أربعة وأمسكت لعيالى أربعة فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت فبارك له حتى صولحت تماضر رابعة نسائه عن ربع الثمن على ثمانين ألفا وتصدق عاصم بن عدى بمائة وسق من تمر وجاء أبو عقيل الأنصارى بصاع من تمر فقال بت ليلتى أجر بالجرير على صاعين فتركت صاعا لعيالى وجئت بصاع فأمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ينثره على الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء وإن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبى عقيل ولكنه أحب أن يذكر* بنفسه ليعطى من الصدقات فنزلت (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) عطف على (الْمُطَّوِّعِينَ) أى ويلمزون