(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٨٠)
____________________________________
الذين لا يجدون إلا طاقتهم وقرىء بفتح الجيم وهو مصدر جهد فى الأمر إذا بالغ فيه وقيل هو بالضم الطاقة وبالفتح المشقة (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) عطف على يلمزون أى يهزءون بهم والمراد بهم الفريق الأخير* (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) إخبار بمجازاته تعالى إياهم على ما فعلوا من السخرية والتعبير عنها بذلك للمشاكلة (وَلَهُمْ) * أى ثابت لهم (عَذابٌ أَلِيمٌ) التنوين للنهويل والتفخيم وإيراد الجملة اسمية للدلالة على الاستمرار (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) إخبار باستواء الأمرين الاستغفار لهم وتركه فى استحالة المغفرة وتصويره بصورة الأمر للمبالغة فى بيان استوائهما كأنه صلىاللهعليهوسلم أمر بامتحان الحال بأن يستغفر تارة ويترك أخرى ليظهر له جلية الأمر كما مر فى قوله عزوجل (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) بيان لاستحالة المغفرة بعد المبالغة فى الاستغفار إثر بيان الاستواء بينه وبين عدمه. روى أن عبد الله بن عبد الله بن أبى وكان من المخلصين سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى مرض أبيه أن يستغفر له ففعل صلىاللهعليهوسلم فنزلت فقال صلىاللهعليهوسلم محافظة على ما هو الأصل من أن مراتب الأعداد حدود معينة يخالف حكم كل منها حكم ما فوقها إن الله قد رخص لى فسأزيد على السبعين فنزلت سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم وقد شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة فى مطلق التكثير لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد فكأنها العدد بأسره وقيل هى أكمل الأعداد لجمعها معانيها ولأن الستة أول عدد تام لتعادل أجزائها الصحيحة إذ نصفها ثلاثة وثلثها اثنان وسدسها واحد وجملتها ستة وهى مع الواحد سبعة فكانت كاملة إذ لا مرتبة بعد التمام إلا الكمال ثم السبعون غاية الكمال إذا لآحاد غايتها العشرات والسبعمائة غاية الغايات (ذلِكَ) إشارة إلى امتناع المغفرة لهم ولو بعد المبالغة فى الاستغفار أى* ذلك الامتناع ليس لعدم الاعتداد باستغفارك بل (بِأَنَّهُمْ) أى بسبب أنهم (كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) * كفرا متجاوزا عن الحد كما يلوح به وصفهم بالفسق فى قوله عزوجل (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) * فإن الفسق فى كل شىء عبارة عن التمرد والتجاوز عن حدوده أى لا يهديهم هداية موصلة إلى المقصد البتة لمخالفة ذلك للحكمة التى عليها يدور فلك التكوين والتشريع وأما الهداية بمعنى الدلالة على ما يوصل إليه فهى متحققة لا محالة ولكنهم بسوء اختيارهم لم يقبلوها فوقعوا فيما وقعوا وهو تذييل مؤكد لما قبله من الحكم فإن مغفرة الكافر إنما هى بالإقلاع عن الكفر والإقبال إلى الحق والمنهمك فيه المطبوع عليه بمعزل من ذلك وفيه تنبيه على عذر النبى صلىاللهعليهوسلم فى استغفاره لهم وهو عدم يأسه من إيمانهم حيث لم يعلم أنهم مطبوعون على الغى والضلال إذ الممنوع هو الاستغفار لهم بعد تبين حالهم كما سيتلى من قوله عزوجل (ما كانَ لِلنَّبِيِ) الآية.