فقال ذلك الرجل : فكيف يحكم بكذب الرواة العدول؟!
فقلت : لما وقع التعارض بين نسبة الكذب إلى الراوي وبين نسبته إلى الخليل عليهالسلام ، كان من المعلوم بالضرورة أن نسبته إلى الراوي أولى» (١).
وقد سبقه الشيخ الطوسي قدسسره إلى ذلك فقال في الرد على هذا الخبر : «فإنه خبر لا أصل له ، ولو حسن الكذب على وجه ـ كما يتوهم بعض الجهال ـ لجاز من القديم تعالى ذلك» (٢).
هذا ، ولم أجد عند مفسري القرآن الكريم بالأثر ـ من العامة سوى الفخر الرازي كما تقدم ـ من كذب هذا الأثر!! ومنه يعلم دور مفسري الشيعة ـ وعلى رأسهم الشيخ الطوسي قدسسره ـ في تنزيه الأنبياء عليهمالسلام عن كل قبيح.
وفي مورد التمييز بين التفسير بالرأي والاجتهاد في التفسير يجب التنبيه على أنه ليست كل آية في القرآن الكريم قابلة للاجتهاد والاستنباط ، وإنما يتم ذلك في ما لم يكن مما اختص الله تعالى بعلمه كعلم الساعة مثلا ، ولا مما يتوقف بيانه على المعصوم عليهالسلام كما لو كان معنى الآية مجملا لا ينبئ ظاهره عن المراد فيه تفصيلا ، أو كان اللفظ مشتركا بين معنيين أو أكثر ولم يترجح أحدها.
إذن مجالات الاجتهاد والاستنباط التفسيري تكون في ما وراء ذلك ، كما لو فسر شيئا من القرآن الكريم بآية أخرى محكمة ، ظاهرها مطابق لمعناها ، أو أول شيئا من القرآن بشاهد معتبر متفق عليه ، أو استخدم اللغة وآدابها اتساعا للعلم وقطعا للشغب وإزاحة للعلة لتوضيح ما هو مشتبه على
__________________
(١) التفسير الكبير ـ للفخر الرازي ـ ٦ / ١٤٨.
(٢) التبيان ٧ / ٢٦٠ في تفسير الآيات ٦١ ـ ٦٣ من سورة الأنبياء.