(قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً(٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) (٦٣)
____________________________________
من حال الملائكة حال غيرهم من عيسى وعزير عليهماالسلام فى الطاعة وابتغاء الوسيلة ورجاء الرحمة* ومخافة العذاب ومن حال إبليس حال من يعاند الحق ويخالف الأمر أى واذكر وقت قولنا لهم (اسْجُدُوا لِآدَمَ) تحية وتكريما لما له من الفضائل المستوجبة لذلك (فَسَجَدُوا) له من غير تلعثم امتثالا للأمر وأداء* لحقه عليه الصلاة والسلام (إِلَّا إِبْلِيسَ) وكان داخلا فى زمرتهم مندرجا تحت الأمر بالسجود (قالَ) * أى عندما وبخ بقوله عز سلطانه (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) وقوله (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) وقوله (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) كما أشير إليه فى سورة الحجر (أَأَسْجُدُ) وأنا مخلوق من العنصر العالى (لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) نصب على نزع الخافض أى من طين أو حال من الراجع إلى الموصول أى خلقته وهو طين أو من نفس الموصول أى أأسجد له وأصله طين والتعبير عنه صلىاللهعليهوسلم بالموصول لتعليل إنكاره بما فى حين الصلة (قالَ) أى إبليس لكن لا عقيب كلامه المحكى بل بعد الإنظار المترتب على استنظاره المتفرع على الأمر بخروجه من بين الملأ الأعلى باللعن المؤبد وإنما لم تصرح بذلك اكتفاء بما ذكر فى مواضع أخر فإن توسيط قال بين كلامى اللعين للإيذان بعدم اتصال الثانى بالأول وعدم ابتنائه عليه بل على غيره كما فى قوله تعالى (قالَ فَما خَطْبُكُمْ) بعد قوله تعالى (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) الكاف لتأكيد الخطاب لا محل لها من الإعراب وهذا مفعول أول والموصول صفته والثانى محذوف لدلالة الصلة عليه أى أخبرنى عن هذا الذى كرمته على بأن أمرتنى بالسجود له لم كرمته على وقيل هذا مبتدأ حذف عنه حرف الاستفهام والموصول مع صلته خبره ومقصوده الاستصفار والاستقحار أى أخبرنى أهذا من كرمته على وقيل معنى أرأيتك أتأملت كأن المتكلم ينبه المخاطب على استحضار ما يخاطبه عقيبه (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ) حيا (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه قوله (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) أى* لأستأصلنهم من قولهم احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلا أو لأقودنهم حيث ما شئت ولأستولين عليهم استيلاء قويا من قولهم حنكت الدابة واحتنكتها إذا جعلت فى حنكها الأسفل حبلا تقودها به وهذا كقوله (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) وإنما علم تسنى ذلك المطلب له تلقيا من جهة الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو استنباطا من قولهم (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) أو نوسما من خلقه (إِلَّا قَلِيلاً) منهم وهم المخلصون الذين عصمهم الله تعالى (قالَ اذْهَبْ) أى امض لشأنك الذى اخترته وهو طرد له وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه (فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ) أى جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب رعاية لحق المتبوعية (جَزاءً مَوْفُوراً) أى جزاء مكملا من قولهم فر لصاحبك* عرضه فرة اى وفر وهو نصب على أنه مصدر مؤكد لما فى قوله (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ) من معنى تجازون أو للفعل المقدر أو حال موطئة لقوله (مَوْفُوراً).