(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) (١٠٢)
____________________________________
بالإنفاق إذ ليس فى الدنيا أحد إلا وهو يختار النفع لنفسه ولو آثر غيره بشىء فإنما يؤثره لعوض يفوقه* فإذن هو بخيل بالإضافة إلى جود الله سبحانه (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) مبالغا فى البخل لأن مبنى أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض بما يبذله (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) واضحات الدلالة على نبوته وصحة ما جاء به من عند الله وهى العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والطوفان والسنون ونقص الثمرات وقيل انفجار الماء من الحجر ونتق الطور على بنى إسرائيل وانفلاق البحر بدل الثلاث الأخيرة ويأباه أن هذه الثلاث لم تكن منزلة إذ ذاك وأن الأولين لا تعلق لهما بفرعون وإنما أوتيهما بنو إسرائيل عن صفوان بن عسال أن يهوديا سأل النبى صلىاللهعليهوسلم عنها فقال أن لا تشركوا به شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببرىء إلى ذى سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا فى السبت فقبل اليهودى يده ورجله صلىاللهعليهوسلم ولا يساعده أيضا ما ذكر ولعل جوابه صلىاللهعليهوسلم بذلك لما أنه المهم للسائل وقبوله لما أنه كان فى التوراة مسطورا وقد علم أنه ما علمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا من جهة* الوحى (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) وقرىء فسل أى فقلنا له سلهم من فرعون وقل له أرسل معى بنى إسرائيل أو سلهم عن إيمانهم أو عن حال دينهم أو سلهم أن يعاضدوك ويؤيده قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم على صيغة الماضى وقيل الخطاب للنبى صلىاللهعليهوسلم أى فاسألهم عن تلك الآيات لتزداد يقينا وطمأنينة أو ليظهر صدقك* (إِذْ جاءَهُمْ) متعلق بقلنا وبسأل على القراءة المذكورة وبآتينا أو بمضمر هو يخبروك أو اذكر على تقدير* كون الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ) الفاء فصيحة أى فأظهر عند فرعون ما آتيناه من الآيات البينات وبلغه ما أرسل به فقال له فرعون (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) سحرت فتخبط عقلك (قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) يعنى الآيات التى أظهرها (إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خالقهما ومدبرهما والتعرض لربوبيته تعالى لهما للإيذان بأنه لا يقدر على إيتاء مثل هاتيك الآيات العظام إلا خالقهما ومدبرهما* (بَصائِرَ) حال من الآيات أى بينات مكشوفات تبصرك صدقى ولكنك تعاند وتكابر نحو وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ومن ضرورة ذلك العلم العلم بأنه صلىاللهعليهوسلم على كمال رصانة العقل فضلا عن توهم المسحورية وقرىء علمت على صيغة التكلم أى لقد علمت بيقين أن هذه الآيات الباهرة أنزلها الله عز سلطانه فكيف* يتوهم أن يحوم حولى سحر (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) مصروفا عن الخير مطبوعا على الشر من قولهم ما ثبرك عن هذا أى ما صرفك أو هالكا ولقد قارع صلىاللهعليهوسلم ظنه بظنه وشتان بينهما كيف لا وظن فرعون