(قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) (٢١)
____________________________________
فى مغتسلها أتاها الملك عليه الصلاة والسلام فى صورة آدمى شاب أمرد وضىء الوجه جعد الشعر وذلك* قوله تعالى (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) أى جبريل عليه الصلاة والسلام عبر عنه بذلك توفية للمقام حقه وقرىء بفتح الراء لكونه سببا لما فيه روح العباد الذى هو عدة المقربين فى قوله تعالى (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) سوى الخلق كامل البنية لم يفقد من حسان نعوت الآدمية شيئا وقبل تمثل فى صورة ترب لها اسمه يوسف من خدم بيت المقدس وذلك لتستأنس بكلامه وتتلقى منه ما يلقى إليها من كلماته تعالى إذ لو بدا لها على الصورة الملكية لنفرت منه ولم تستطع مفاوضته وأما ما قبل من أن ذلك لتهييج شهوتها فتنحدر نطفتها إلى رحمها فمع مخالفته لمقام بيان آثار القدرة الخارقة للعادة يكذبه قوله تعالى (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ) فإنه شاهد عدل بأنه لم يخطر ببالها شائبة ميل ما إليه فضلا عما ذكر من الحالة المترتبة على أقصى مراتب الميل والشهوة نعم كان تمثيله على ذلك الحسن الفائق والجمال الرائق لابتلائها وسبر عفتها ولقد ظهر منها من الورع والعفاف مالا غاية وراءه وذكره تعالى بعنوان الرحمانية للمبالغة فى العياذ به تعالى واستجلاب آثار الرحمة الخاصة التى هى العصمة مما دهمها وقوله تعالى* (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) أى تتقى الله تعالى وتبالى بالاستعاذة به وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة السباق عليه أى فإنى عائذة به أو فتعوذ بتعوذى أو فلا تتعرض لى (قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) يريد عليه الصلاة* والسلام إنى لست ممن يتوقع منه ما توهمت من الشر وإنما أنا رسول ربك الذى استعذت به (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً) أى لأكون سببا فى هبته بالنفخ فى الدرع ويجوز أن يكون ذلك حكاية لقوله تعالى ويؤيده القراءة بالياء والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرها لتشريفها وتسليتها والإشعار بعلة الحكم فإن هبة* الغلام لها من أحكام تربيتها وفى بعض المصاحف أمرنى أن أهب لك غلاما (زَكِيًّا) طاهرا من الذنوب أو ناميا على الخير أى مترقيا من سن إلى سن على الخير والصلاح (قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) كما وصفت* (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) أى والحال أنه لم يباشرنى بالنكاح رجل وإنما قيل بشر مبالغة فى بيان تنزهها من مبادى* الولادة (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) عطف على لم يمسسنى داخل معه فى حكم الحالية مفصح عن كون المساس عبارة عن المباشرة بالنكاح أى ولم أكن فاجرة تبغى الرجال وهى فعول بمعنى الفاعل أصلها بغوى فأدغمت الواو بعد قلبها ياء فى الياء وكسرت الغين للياء وقيل هى فعيل بمعنى الفاعل وإلا لقيل بغو كما يقال فلان نهو عن المنكر وإنما لم تلحقه التاء لأنها من باب النسب كطالق أو بمعنى المفعول أى يبغيها الرجال للفجور بها (قالَ) أى