(إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠) فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) (٦٣)
____________________________________
استئناف للإخبار بنجاتهم لعدم إجرامهم أو لبيان ما فهم من الاستثناء من مطلق عدم شمول العذاب لهم فإن ذلك قد يكون بكون حالهم بين بين أو لتعليله فإن من تعلق بهم التنجية بمنجى من شمول العذاب أو منقطع من قوم وقوله تعالى (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) متصل بآل لوط جار مجرى خبر لكن وعلى هذا فقوله تعالى (إِلَّا امْرَأَتَهُ) استثناء من (آلَ لُوطٍ) أو من ضميرهم وعلى الأول من الضمير خاصة لاختلاف الحكمين اللهم إلا أن يجعل (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) اعتراضا وقرىء بالتخفيف (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) الباقين مع الكفرة* لتهلك معهم وقرىء قدرنا بالتخفيف وإنما علق فعل التقدير مع اختصاص ذلك بأفعال القلوب لتضمنه معنى العلم ويجوز حمله على معنى قلنا لأنه بمعنى القضاء قول وأصله جعل الشىء على مقدار غيره وإسنادهم له إلى أنفسهم وهو فعل الله سبحانه لما لهم من الزلفى والاختصاص فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ) شروع فى بيان كيفية إهلاك المجرمين وتنجية آل لوط حسبما أجمل فى الاستثناء ثم فصل فى التعليل نوع تفصيل ووضع المظهر موضع المضمر للإيذان بأن مجيئهم لتحقيق ما أرسلوا به من الإهلاك والتنجية وليس المراد به ابتداء مجيئهم بل مطلق كينونتهم عند آل لوط فإن ما حكى عنه عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) إنما قاله عليه الصلاة والسلام بعد اللتيا والتى حين ضاقت عليه الحيل وعيت به العلل لما لم يشاهد من المرسلين عند مقاساته الشدائد ومعاناته المكايد من قومه الذين يريدون بهم ما يريدون ما هو المعهود والمعتاد من الإعانة والإمداد فيما يأتى ويذر عند تجشمه فى تخليصهم إنكارا لخذلانهم له وترك نصرته فى مثل تلك المضايقة المعترية له بسببهم حيث لم يكونوا مباشرين معه لأسباب المدافعة والممانعة حتى ألجأته إلى أن قال لو أن لى بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد حسبما فصل فى سورة هود لا أنه قاله عند ابتداء ورودهم له خوفا أن يطرقوه بشر كما قيل كيف لا وهم بجوابهم المحكى بقوله تعالى (قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) أى بالعذاب الذى كنت تتوعدهم به فيمترون فيه ويكذبونك قد قشروا العصا وبينوا له عليه الصلاة والسلام جلية الأمر فأنى يمكن أن يعتر به بعد ذلك المساءة وضيق الذرع وليست كلمة بل إضرابا عن موجب الخوف المذكور على معنى ما جئناك بما تنكرنا لأجله بل بما يسرك وتقربه عينك بل هى إضراب عما فهمه عليه الصلاة والسلام من ترك النصرة له والمعنى ما خذلناك وما خلينا بينك وبينهم بل جئناك بما يدمرهم من العذاب الذى كانوا يكذبونك حين كنت تتوعدهم به ولعل تقديم هذه المقاولة على ما جرى بينه وبين أهل المدينة من المجادلة للمسارعة إلى ذكر بشارة لوط عليه الصلاة والسلام بإهلاك