ومفاهيمه برفق ولين ، لا أن يغالبهم في النسب ويقلل من شأنهم بما يجعل نفوسهم بعيدة عن قبول الدين الجديد؟!
ولهذا التأثير العنيف ، كان من الطبيعي أن تظهر هذه النبرة القديمة في سقيفة بني ساعدة ، فقد طرحت فيها الموازين الموروثة لا الموازين التي جاء بها الإسلام على لسان نبي الرحمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم!
فقد قال أبو بكر في خطبته يوم السقيفة :
أيها الناس! نحن المهاجرون أول الناس إسلاما ، وأكرمهم أحسابا ، وأوسطهم دارا ، وأحسنهم وجوها ، وأكثر الناس ولادة في العرب ، وأمسهم برسول الله رحما ... (١).
فكرم الأحساب ، ووسطية الدار ، وحسن الوجوه ، وكثرة العدد ، كانت من المفردات التي احتج بها للخلافة ، وهذه كلها لا تمت إلى الخلافة والأحقية بها بصلة!
واستمرت هذه الخصلة عند أبي بكر حتى في أيام خلافته ، فجعل يسأل الصبيان الذين أتى بهم خالد بن الوليد من عين التمر عن أنسابهم ، فيخبره كل واحد بمبلغ معرفته (٢).
نحن لسنا بصدد بيان هذه الأمور بقدر ما يعنينا بيان امتداد هذا النهج بعد الخليفة ، وخصوصا في العهد الأموي ، وعناية الخلفاء بالشعر والأنساب مع مخالفتهم لتدوين الحديث والمغازي!!
إن عناية عرب الجزيرة بالحفظ وترك التدوين كان من جملة الدوافع الرئيسية التي حدت بأبي بكر أن يحرق مدونته ، وبالناس أن يقبلوا بحظره
__________________
(١) العقد الفريد ٥ / ١٢.
(٢) الأغاني ٤ / ٥.