وإن كان صلىاللهعليهوآلهوسلم قد عين وصيه ، فكيف يصح أن يقال إنه ترك الأمر للناس كي ينتخبوا؟!
وهكذا الحال بالنسبة إلى عمر بن الخطاب ، إذ لو كان يؤمن بمبدأ الشورى فلم لا يستجيب لقول الصحابة حينما أشاروا عليه تدوين الحديث (١)؟!
وكيف بعمر يقول : «لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح باقيا استخلفته ووليته ... ولو أدركت معاذ بن جبل استخلفته ... ولو أدركت خالد بن الوليد لوليته» (٢) ، ويقول : «لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا استخلفته ، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته» (٣)؟!
بل كيف لنا أن نفهم أبعاد هذا التخليط عند الحكام في صدر الإسلام؟!
فقول عمر : «لو كان سالم مولى أبي حذيفة» لا يتفق مع سياسته نحو الموالي! كما لا يتفق مع احتجاجهم بأن الأئمة من قريش ، وأن قريشا أولى من سائر العرب بقربها من النبي دون سائرهم!!
وهكذا الحال بالنسبة إلى قوله : «لو أدركت معاذ بن جبل» فهو يخالف فكرته وسياسته نحو الأنصار!
وماذا يعني أبو بكر بقوله : «ليتني سألت عن هذا الأمر ، وهل للأنصار فيه نصيب؟» لو لم تكن الخلافة من مهام الرسول؟!
إن المتأمل في كلام الإمام علي وخطبة الزهراء عليهماالسلام ـ وهما من أعلام المتعبدين ، المعارضين للاجتهاد والمصلحة ـ يعلم بأن الظروف هي التي دعت إلى اختلاف المواقف واختلاق الأصول والمباني عند الصحابة لمصلحة
__________________
(١) تقييد العلم : ٤٩ ، حجية السنة : ٣٩٥.
(٢) الإمامة والسياسة ١ / ٤٢.
(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٥٨٠ حوادث سنة ٢٣ ه ـ قصة الشورى.