الإيمان لأنه بذلك يكون قد حقق ما قد أريد منه وأنيط به. قال تعالى : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (١).
وخطاب القرآن ليس مقصورا على العرب الأميين ، ولا هو بمقصور على أبناء القرن العشرين ، ولكنه عام مطلق لكل عصر ، ولكل مكان فليس من المعقول ، وليس من المقصور أن يظل تفكير الإنسان ثابتا على نسق واحد في جميع العصور.
ولكن التفكير العصري شيء وإقرار النظريات العلمية المتجددة شيء آخر ، ونحن مطالبون بأن نفهم القرآن الكريم في عصرنا كما كان يفهمه العرب الذين حضروا الدعوة المحمدية ، لو أنهم عرفوا ما عرفناه ، وتعلموا ما تعلمناه نحن (٢).
ونحن اليوم نستفيد من الاكتشافات العلمية ، والمستحدثات الحضارية التي أربت على كل تصور ، وبلغ العلم مراحل خطيرة من التفوق والنفاذ إلى ما لم يخطر قبل ذلك على قلب بشر ، ولم يتوقف عند حد إنما لا يزال المتوقع والمأمول أن المستقبل فيه الأكثر والأكثر من المغريات.
ولا أحد ينكر إفادتنا من آراء المفكرين ، والعلماء النظريين والتجريبيين إفادات وإدراكات نافعة في التأمل والنظر دون الإيمان بصحة كل خبر ، وصدق كل نظرية ، وصواب كل رأي.
ومطلوب منا في آن واحد أن نؤمن بآيات الله المنزلة ، لقوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٣) كذلك فالأمر بتدبر آياته الكونية واجب
__________________
(١) الذاريات (٥١ / ٢١) قال ابن عباس رضي الله عنه : «يريد اختلاف الصور ، والألسنة ، والألوان ، والطبائع ، والسمع والبصر والعقل» راجع تفسير الخازن (٤ / ٢٠٣) قال قتادة : «من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ، ولينت مفاصله للعبادة» انظر تفسير ابن كثير (٤ / ٢٣٥).
(٢) انظر الفلسفة القرآنية للأستاذ عباس محمود العقاد ص ٢٠٦ ط. كتاب الهلال ـ العدد ٢٢٩ سنة ١٩٧٠. بتصرف.
(٣) محمد (٤٧ / ٢٤) يقول الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير (٢٨ / ٦٥) : إذا كان القلب عارفا كان معروفا لأن القلب خلق للمعرفة ، فإذا لم تكن فيه المعرفة فكأنه لا يعرف ، فهذا كما يقول