يقول بعض العلماء : إن يباري الزمان في دوامة ، ويطاول الخلود في بقائه ، تمر مئات وألوف بل ملايين السنين والأحوال ، وتدول الدول ، وتحول الأحوال وتصير الأودية جبالا ، وتنقلب الجبال وديانا ، وتتغير أكثر مكونات الطبيعة وتصير إلى غيرها ولكن البحار والمحيطات تظل كما هي في جريانها لا تتغير ولا تتحول عن مجاريها إلا في أضيق الحدود بنسب ضئيلة مهملة ساقطة من حساب الزمان.
بعد اكتشاف التصوير الفوتوغرافي تحت سطح الماء انجلت كثير من المشاهد المجهولة غير المعروفة قبل ذلك (١) ، فكان هذا التصوير فتحا جديدا ، ولا تزال البحوث والدراسات العلمية النافعة قائمة على قدم وساق لفك كثير من طلاسم الحياة والأحياء النباتية والحيوانية في أعماق سحيقة في البحار والمحيطات ، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء.
ويحتوي عالم البحار على ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وإذا كانت نقطة الماء الموضوعة على شريحة زجاجية إذا وضعتها تحت المجهر الالكتروني electronic microscope رأيت فيها من الأحياء الدقيقة غير المرئية ما لا حصر له من المخلوقات ، فلا جرم أن البحار فيها ما فيها من الحيتان والمائيات الحيوانية أعداد لا حصر لها ، ولكل منها تكوين وطبيعة وغرائز خاصة ، تختلف من كل أحد فيها عن الآخر اختلافا شديدا ، لكنها في جملتها متحورة لكي تلائم حياة الماء.
وكما على وجه الأرض يتسلط القوي على الضعيف ، ويطيح العملاق
__________________
(١) كانوا قديما متوهمين أن قاع المحيطات مستو ، وقد ثبت أنه تعاريج وسهول وجبال مختلفة التكوين والأنواع ولم يوجد مستويا كما كانوا يحسبونه ، أو كما كان مظنونا قبل ذلك.