(وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) (٢٤)
____________________________________
مقصود لذاته لا لتحقيق المأمور به فقط وقوله تعالى (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) مع كونه استئنافا مسوق* لتعليل الامتثال بالأمر والنهى فإن إعادتها إلى ما كانت عليه من موجبات أخذها وعدم الخوف منها عدة كريمة بإظهار معجزة أخرى على يده عليه الصلاة والسلام وإيذان بكونها مسخرة له عليه الصلاة والسلام ليكون على طمأنينة من أمره ولا يعتريه شائبة تزلزل عند محاجة فرعون أى سنعيدها بعد الأخذ إلى حالتها الأولى التى هى الهيئة العصوية قيل بلغ عليه الصلاة والسلام عند ذلك من الثقة وعدم الخوف إلى حيث كان يدخل يده فى فمها ويأخذ بلحييها والسيرة فعلة من السير تجوز بها للطريقة والهيئة وانتصابها على نزع الجار أى إلى سيرتها أو على أن أعاد منقول من عاده بمعنى عاد إليه أو على الظرفية أى سنعيدها فى طريقتها أو على تقدير فعلها وإيقاعها حالا من المفعول أى سنعيدها عصا كما كانت من قبل تسير سيرتها الأولى أى سائرة سيرتها الأولى فتنتفع بها كما كنت تنتفع من قبل (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) أمر عليه الصلاة والسلام بذلك بعد ما أخذ الحية وانقلبت عصا كما كانت أى أدخلها تحت عضدك فإن جناحى الإنسان جنباه كما أن جناحى العسكر ناحيتاه مستعار من جناحى الطائر وقد سميا جناحين لأنه يجنحهما أى يميلهما عند الطيران وقوله تعالى (تَخْرُجْ) جواب الأمر وقوله تعالى (بَيْضاءَ) حال من الضمير فيه وقوله تعالى (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) متعلق بمحذوف هو حال من الضمير فى بيضاء أى كائنة من غير عيب وقبح كنى به عن البرص كما كنى بالسوءة عن العورة لما أن الطباع تعافه وتنفر عنه روى أنه عليه الصلاة والسلام كان آدم فأخرج يده من مدرعته بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس تغشى البصر (آيَةً أُخْرى) أى معجزة أخرى غير العصا وانتصابها* على الحالية إما من الضمير فى تخرج على أنها بدل من الحال الأولى وإما من الضمير فى بيضاء وقيل من الضمير فى الجار والمجرور وقيل هى منصوبة بفعل مضمر نحو خذ أودونك وقوله تعالى (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) متعلق بمضمر ينساق إليه النظم الكريم كأنه قيل فعلنا ما فعلنا من الأمر والإظهار لنريك بذلك بعض آياتنا الكبرى على أن الكبرى صفة لآياتنا أو نريك بذلك من آياتنا ماهى كبرى على أن الكبرى مفعول ثان لنريك ومن آياتنا متعلق بمحذوف هو حال من ذلك المفعول وأياما كان فالآية الكبرى عبارة عن العصا واليد جميعا وإما تعلقه بما دل عليه آية أى دللنا بها لنريك الخ أو بقوله تعالى (وَاضْمُمْ) أو بقوله (تَخْرُجْ) أو بما قدر من نحو خذ ودونك كما قال بكل من ذلك قائل فيؤدى إلى عراء آية العصا عن وصف الكبر فتدبر (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ) تخلص إلى ما هو المقصود من تمهيد المقدمات السالفة فصل عما قبله من الأوامر إيذانا بأصالته أى اذهب إليه بما رأيته من الآيات الكبرى وادعه إلى عبادتى وحذره نقمتى وقوله تعالى (إِنَّهُ طَغى) تعليل للأمر أو لوجوب المأمور به أى جاوز الحد فى التكبر والعتو والتجبر حتى تجاسر على