(قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي) (٢٨)
____________________________________
العظيمة التى هى دعوى الربوبية (قالَ) استئناف مبنى على سؤال ينساق إليه الذهن كأنه قبل فماذا قال عليه الصلاة والسلام حين أمر بهذا الأمر الخطير والخطب العسير فقيل قال مستعينا بربه عزوجل (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) لما أمر بما أمر به من الخطب الجليل تضرع إلى ربه عزوجل وأظهر عجزه بقوله ويضيق صدرى ولا ينطلق لسانى وسأله تعالى أن يوسع صدره ويفسح قلبه ويجعله عليما بشؤون الحق وأحوال الخلق حليما حمولا يستقبل ما عسى يرد عليه من الشدائد والمكاره بجميل الصبر وحسن الثبات ويتلقاها بصدر فسيح وجأش رابط وأن يسها عليه مع ذلك أمره الذى هو أجل الأمور وأعظمها وأصعب الخطوب وأهولها بتوفيق الأسباب ورفع الموانع وفى زيادة كلمة لى مع انتظام الكلام بدونها تأكيد لطلب الشرح والتيسير بإبهام المشروح والميسر أولا وتفسيرهما ثانيا وفى تقديمها وتكريرها إظهار مزيد اعتناء بشأن كل من المطلوبين وفضل اهتمام باستدعاء حصولهما له واختصاصهما به (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) روى أنه كان فى لسانه عليه الصلاة والسلام رتة من جمرة أدخلها فاه فى صغره وذلك أن فرعون حمله ذات يوم فأخذ لحيته ينتفها لما كان فيها من الجواهر فغضب وأمر بقتله فقالت آسية إنه صبى لا يفرق بين الجمر والياقوت فأحضرا بين يديه فأخذ الجمرة فوضعها فى فيه قيل واحترقت يده فاجتهد فرعون فى علاجها فلم تبرأ ثم لما دعاه قال إلى أى رب تدعونى قال إلى الذى أبرأ يدى وقد عجزت عنه واختلف فى زوال العقدة بكمالها فمن قال به تمسك بقوله تعالى (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ) ومن لم يقل به احتج بقوله تعالى (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي) وقوله تعالى (وَلا يَكادُ يُبِينُ) وأجاب عن الأول بأنه لم يسأل حل عقدة لسانه بالكلية بل حل عقدة تمنع الإفهام ولذلك نكرها ووصفها بقوله من لسانى أى عقدة كائنة من عقد لسانى وجعل قوله تعالى (يَفْقَهُوا قَوْلِي) جواب الأمر وغرضا من الدعاء فبحلها فى الجملة بتحقق إيتاء سؤله عليه الصلاة والسلام والحق أن ما ذكر لا يدل على بقائها فى الجملة أما قوله تعالى (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي) فلأنه عليه الصلاة والسلام قاله استدعاء الحل كما ستعرفه على أن أفصحيته منه عليهما للصلاة والسلام لا تستدعى بقاءها أصلا بل تستدعى عدم البقاء لما أن الأفصيحة توجب ثبوت أصل الفصاحة فى المفضول أيضا وذلك مناف للعقدة رأسا وأما قوله تعالى (وَلا يَكادُ يُبِينُ) فمن باب غلو اللعين فى العتو والطغيان وإلالدل على عدم زوالها أصلا وتنكيرها إنما يفيد قلتها فى نفسها لا قلتها باعتبار كونها بعضا من الكثير وتعلق كلمة من فى قوله تعالى (مِنْ لِسانِي) بمحذوف هو صفة لها ليس بمقطوع به بل الظاهر تعلقها بنفس الفعل فإن المحلول إذا كان