(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) (٤٧)
____________________________________
* عداه شبابا لا يهرم ويبقى له لذة المطعم والمشرب ومنكح وملكا لا يزول إلا بالموت وقرىء لينا (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) بما بلغتماه من ذكرى ويرغب فيما رغبتماه فيه (أَوْ يَخْشى) عقابى ومحل الجملة النصب على الحال من ضمير النثنية أى فقولا له قولا لينا راجين أن يتذكر أو يخشى وكلمة أو لمنع الخلو أى باشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع فى أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه وهو يجتهد بطوقه ويحتشد بأقصى وسعه وجدوى إرسالهما إليه مع العلم بحاله إلزام الحجة وقطع المعذرة (قالا رَبَّنا) أسند القول إليهما مع أن القائل حقيقة هو موسى عليه الصلاة والسلام بطريق التغليب إيذانا بأصالته فى كل قول وفعل وتبعية هرون عليهالسلام له فى كل ما يأتى ويذر ويجوز أن يكون هرون قد قال ذلك بعد تلاقيهما فحكى ذلك مع قول موسى عليهالسلام عند نزول الآية كما فى قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) فإن هذا الخطاب قد حكى لنا بصيغة الجمع مع أن كلا من المخاطبين لم يخاطب إلا بطريق الانفراد ضرورة استحالة اجتماعهم فى الوجود فكيف* باجتماعهم فى الخطاب (إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) أى يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى إتمام الدعوة وإظهار المعجزة من فرط إذا تقدم ومنه الفارط وفرس فارط يسبق الخيل وقرىء يفرط من أفرطه إدا حمله على العجلة أى نخاف أن يحمله حامل من الاستكبار أو الخوف على الملك أو غيرهما على المعاجلة* بالعقاب (أَوْ أَنْ يَطْغى) أى يزداد طغيانا إلى أن يقول فى شأنك مالا ينبغى لكمال جراءته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب وإظهار كلمة أن مع سداد المعنى بدونه لإظهار كمال الاعتناء بالأمر والإشعار بتحقق الخوف من كل منهما (قالَ) استئناف مبنى على السؤال الناشىء من النظم الكريم ولعل إسناد الفعل إلى ضمير الغيبة للإشعار بانتقال الكلام من مساق إلى مساق آخر فإن ما قبله من الأفعال الواردة على صيغة التكلم حكاية لموسى عليهالسلام بخلاف ما سيأتى من قوله تعالى (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) فإن ما قبله أيضا وارد بطريق الحكاية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كأنه قيل فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه فقيل قال* (لا تَخافا) ما توهمتما من الأمرين وقوله تعالى (إِنَّنِي مَعَكُما) تعليل لموجب النهى ومزيد تسلية لهما والمراد* بالمعية كمال الحفظ والنصرة كما ينبىء عنه قوله تعالى (أَسْمَعُ وَأَرى) أى ما يجرى بينكما وبينه من قول وفعل فأفعل فى كل حال ما يليق بها من دفع ضر وشر وجلب نفع وخير ويجوز أن لا يقدر شىء على معنى إننى حافظكما سميعا بصيرا والحافظ الناصر إذا كان كذلك فقد تم وبلغت النصرة غايتها (فَأْتِياهُ) أمرا بإتيانه الذى هو عبارة عن الوصول إليه بعد ما أمرا بالذهاب إليه فلا تكرار وهو عطف على لا تخافا باعتبار