(قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى) (٥٧)
____________________________________
حسبما بين فى تفسير قوله تعالى (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي) وقد ظهر عند فرعون أمور أخر كل واحد منها داهية دهياء فإنه روى أنه عليه الصلاة والسلام لما ألقاها انقلبت ثعبانا أشعر فاغرافاه بين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر وتوجه نحو فرعون فهرب وأحدث وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا من قومه فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذى أرسلك إلا أخذته فأخذه فعاد عصا وروى أنها انقلبت حية ارتفعت فى السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة نحو فرعون وجعلت تقول يا موسى مرنى بما شئت ويقول فرعون أنشدك الخ ونزع يده من جيبه فإذا هى بيضاء بياضا نورانيا خارجا عن حدود العادات قد غلب شعاعه شعاع الشمس يجتمع عليه النظارة تعجبا من أمره ففى تضاعيف كل من الآيتين آيات جمة لكنها لما كانت غير مذكورة صراحة أكدت بقوله تعالى (كُلَّها) * كأنه قيل أريناه آيتينا بجميع مستتبعاتهما وتفاصيلهما قصدا إلى بيان أنه لم يبق له فى ذلك عذر ما ولا مساغ لعد بقية الآيات التسع منها لما أنها إنما ظهرت على يده عليه الصلاة والسلام بعد ما غلب السحرة على مهل فى نحو من عشرين سنة كما مر فى تفسير سورة الأعراف ولا ريب فى أن أمر السحرة مترقب بعد وأبعد من ذلك أن يعد منها ما جعل لإهلاكهم لا لإرشادهم إلى الإيمان من فلق البحر وما ظهر بعد مهلكه من الآيات الظاهرة لبنى إسرائيل من نتق الجبل والحجر سواء أريد به الحجر الذى فر بثوبه أو الذى انفجرت منه العيون وكذا أن يعد منها الآيات الظاهرة على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بناء على أن حكايته عليه الصلاة والسلام إياها لفرعون فى حكم إظهارها بين يديه وإراءته إياها لاستحالة الكذب عليه عليه الصلاة والسلام فإن حكايته عليه الصلاة والسلام إياها لفرعون مما لم يجر ذكره ههنا على أن ما سيأتى من حمل ما أظهره عليه الصلاة والسلام على السحر والتصدى للمعارضة بالمثل يأباه إباء بينا وينطق بأن المراد بها ما ذكرناه قطعا ولو لا ذلك لجاز جعل ما فصله عليه الصلاة والسلام من أفعاله تعالى الدالة على اختصاصه بالربوبية وأحكامها من جملة الآيات (فَكَذَّبَ) موسى عليه الصلاة والسلام من غير تردد* وتأخر مع ما شاهد فى يده من الشواهد الباطقة بصدقه جحودا وعنادا (وَأَبى) الإيمان والطاعة لعتوه* واستكباره وقيل كذب بالآيات جميعا وأبى أن يقبل شيئا منها أو أبى قبول الحق وقوله تعالى (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى) استئناف مبين لكيفية تكذيبه وإبائه والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه وادعاء أنه أمر محال والمجىء إما على حقيقته أو بمعنى الإقبال على الأمر والتصدى له أى أجئتنا من مكانك الذى كنت فيه بعد ما غبت عنا أو أقبلت علينا لتخرجنا من مصر بما أظهرته من السحر فإن ذلك مما لا يصدر عن العاقل لكونه من باب محاولة المحال وإنما قاله لحمل قومه على غاية المقت لموسى عليه الصلاة والسلام بإبراز أن مراده عليه الصلاة والسلام ليس مجرد إنجاء بنى إسرائيل من أيديهم بل إخراج القبط من وطنهم وحيازة أموالهم وأملاكهم بالكلية حتى لا يتوجه إلى اتباعه أحد ويبالغوا فى المدافعة والمخاصمة وسمى ما أظهره عليه الصلاة والسلام من المعجزة الباهرة سحرا لتجسيرهم على المقابلة ثم ادعى أنه يعارضه