(فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) (٦٣)
____________________________________
كَذِباً) بأن تدعوا آياته التى ستظهر على يدى سحرا كما فعل فرعون (فَيُسْحِتَكُمْ) أى يستأصلكم بسببه* (بِعَذابٍ) هائل لا يقادر قدره وقرىء يسحتكم من الثلاثى على لغة أهل الحجاز والإسحات لغة بنى تميم ونجد (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) أى على الله كائنا من كان بأى وجه كان فيدخل فيه الافتراء المنهى عنه دخولا* أوليا أو وقد خاب فرعون المفترى فلا تكونوا مثله فى الخيبة والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها (فَتَنازَعُوا) أى السحرة حين سمعوا كلامه عليه الصلاة والسلام كأن ذلك غاظهم فتنازعوا (أَمْرَهُمْ) الذى أريد منهم من مغالبته عليه الصلاة والسلام وتشاوروا وتناظروا (بَيْنَهُمْ) فى كيفية المعارضة وتجاذبوا أهداب القول فى ذلك (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) أى من موسى عليه الصلاة والسلام لئلا يقف عليه فيدافعه وكان نجواهم ما نطق به قوله تعالى (قالُوا) أى بطريق التناجى والإسرار (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) الخ فإنه تفسير له ونتيجة لتنازعهم وخلاصة ما استقرت عليه آراؤهم بعد التناظر والتشاور وإن مخففة من أن قد أهملت عن العمل واللام فارقة وقرىء بتشديد نون هذان وقيل هى نافية واللام بمعنى إلا أى ما هذان إلا ساحران وقرىء إن بالتشديد وهذان اسمها على لغة بلحارث بن كعب فإنهم يعربون التثنية تقديرا وقيل اسمها ضمير الشأن المحذوف وهذان لساحران خبرها وقيل إن بمعنى نعم وما بعدها جملة من مبتدأ وخبر وفيهما أن اللام لا تدخل خبر المبتدأ وقيل أصله أنه هذان لهما ساحران فحذف الضمير وفيه أن المؤكد باللام لا يليق به الحذف وقرىء إن هذين لساحران وهى قراءة واضحة (يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) * أى أرض مصر بالاستيلاء عليها (بِسِحْرِهِما) الذى أظهراه من قبل (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) أى بمذهبكم* الذى هو أفضل المذاهب وأمثلها بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما يريدون به ما كان عليه قوم فرعون لا طريقة السحر فإنهم ما كانوا يعتقدونه دينا وقيل أرادوا أهل طريقتكم وهم بنو إسرائيل لقول موسى عليه الصلاة والسلام أرسل معنا بنى إسرائيل وكانوا أرباب علم فيما بينهم ويأباه أن إخراجهم من أرضهم إنما يكون بالاستيلاء عليها تمكنا وتصرفا فكيف يتصور حينئذ نقل بنى إسرائيل إلى الشأم وحمل الإخراج على إخراج بنى إسرائيل منها مع بقاء قوم فرعون على حالهم مما يجب تنزيه التنزيل عن أمثاله على أن هذه المقالة منهم للإغراء بالمبالغة فى المغالبة والاهتمام بالمناصبة فلا بد أن يكون الإنذار والتحذير بأشد المكاره وأشقها عليهم ولا ريب فى أن إخراج بنى إسرائيل من بينهم والذهاب بهم إلى الشأم وهم آمنون فى ديارهم ليس فيه كثير محذور وقيل الطريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم لما أنهم قدوة لغيرهم ولا يخفى أن تخصيص الإذهاب بهم مما لا مزية فيه.