(مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣)
____________________________________
الغفلة أمرا جبليا لهم جعل الخبر الأول ظرفا منبئا عن الاستقرار بخلاف الإعراض والجملة حال من الناس وقد جوز كون الظرف حالا من المستكن فى معرضون (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) من طائفة نازلة من القرآن تذكرهم ذلك أكمل تذكير وتنبههم عن الغفلة أتم تنبيه كأنها نفس الذكر ومن فى قوله تعالى (مِنْ رَبِّهِمْ) لابتداء الغاية مجازا متعلقة بيأتيهم أو بمحذوف هو صفة لذكر وأيا ما كان ففيه دلالة على فضله وشرفه وكمال شناعة ما فعلوا به والتعرض لعنوان الربوبية لتشديد التشنيع (مُحْدَثٍ) بالجر صفة لذكر وقرىء بالرفع حملا على محله أى محدث تنزيله بحسب اقتضاء الحكمة وقوله تعالى (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) استثناء مفرغ محله النصب على أنه حال من مفعول يأتيهم بإضمار قد أو بدونه على الخلاف المشهور وقوله تعالى (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) حال من فاعل استمعوه وقوله تعالى (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) إما حال أخرى منه أو من واو يلعبون والمعنى ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث فى حال من الأحوال إلا حال استماعهم إياه لاعبين مستهزئين به لاهين عنه أو لاعبين به حال كون قلوبهم لاهية عنه لتناهى غفلتهم وفرط إعراضهم عن النظر فى الأمور* والتفكر فى العواقب وقرىء لاهية بالرفع على أنه خبر بعد خبر (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) كلام مستأنف مسوق لبيان جناياتهم خاصة إثر حكاية جناياتهم المعتادة والنجوى اسم من التناجى ومعنى إسرارها مع أنها لا تكون إلا سرا أنهم بالغوا فى إخفائها أو أسروا نفس التناجى بحيث لم يشعر أحد بأنهم متناجون* وقوله تعالى (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بدل من واو أسروا منبىء عن كونهم موصوفين بالظلم الفاحش فيما أسروا به أو هو مبتدأ خبره أسروا النجوى قدم عليه اهتماما به والمعنى هم أسروا النجوى فوضع الموصول موضع* الضمير تسجيلا على فعلهم بكونه ظلما أو منصوب على الذم وقوله تعالى (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) الخ فى حين النصب على أنه مفعول لقول مضمر هو جواب عن سؤال نشأ عما قبله كأنه قيل ماذا قالوا فى نجواهم فقيل قالوا هل هذا الخ أو بدل من أسروا أو معطوف عليه أو على أنه بدل من النجوى أى أسروا هذا الحديث* وهل بمعنى النفى والهمزة فى قوله تعالى (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام* وقوله تعالى (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) حال من فاعل تأتون مقررة للإنكار ومؤكدة للاستبعاد والمعنى ما هذا إلا بشر مثلكم أى من جنسكم وما أتى به سحر أتعلمون ذلك فتأتونه وتحضرونه على وجه الإذعان والقبول وأنتم تعاينون أنه سحر قالوه بناء على ما ارتكز فى اعتقادهم الزائغ أن الرسول لا يكون إلا ملكا وأن كل ما يظهر على يد البشر من الخوارق من قبيل السحر وزل عنهم أن إرسال البشر إلى عامة البشر هو الذى تقتضيه الحكمة التشريعية قاتلهم الله أنى يؤفكون وإنما أسروا ذلك لأنه كان على طريق توثيق العهد وترتيب مبادى الشر والفساد وتمهيد مقدمات المكر والكيد فى هدم أمر النبوة وإطفاء نور الدين والله