(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) (١٧)
____________________________________
والنوازل أو تنفقدون إذا رئيت مساكنكم خالية وتسألون أين أصحابها أو يسألكم الوافدون نوالكم على أنهم كانوا أسخياء ينفقون أموالهم رياء أو بخلاء فقيل لهم ذلك تهكما إلى تهكم (قالُوا) لما يئسوا من الخلاص بالهرب وأيقنوا بنزول العذاب (يا وَيْلَنا) أى هلاكنا (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أى مستوجبين للعذاب وهذا اعتراف منهم بالظلم وباستتباعه للعذاب وندم عليه حين لم ينفعهم ذلك (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) أى فما زالوا يرددون تلك الكلمة وتسميتها دعوى أى دعوة لأن المدلول كأنه يدعو الويل قائلا يا ويل تعال فهذا أوانك (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) أى مثل الحصيد وهو المحصود من الزرع والنبت ولذلك لم يجمع (خامِدِينَ) أى ميتين من خمدت النار إذا طفئت وهو مع حصيدا فى حين المفعول الثانى للجعل كقولك جعلته حلوا حامضا والمعنى جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود أو حال من الضمير المنصوب فى جعلناهم أو من المستكن فى حصيدا أو صفة لحصيدا لتعدده معنى لأنه فى حكم جعلناهم أمثال حصيد (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ) إشارة إجمالية إلى أن تكوين العالم وإبداع بنى آدم مؤسس على قواعد الحكم البالغة المستتبعة للغايات الجليلة وتنبيه على أن ما حكى من العذاب الهائل والعقاب النازل بأهل القرى من مقتضيات تلك الحكم ومتفرعاتها حسب اقتضاء أعمالهم إياه وأن للمخاطبين المقتدين بآثارهم ذنوبا مثل ذنوبهم أى ما خلقناهما (وَما بَيْنَهُما) من المخلوقات التى لا تحصى أجناسها وأفرادها ولا تحصر أنواعها وآحادها على هذا النمط البديع والأسلوب المنيع خالية عن الحكم والمصالح وإنما عبر عن ذلك باللعب واللهو حيث قيل (لاعِبِينَ) لبيان كمال تنزهه تعالى عن الخلق الخالى عن الحكمة بتصويره بصورة مالا يرتاب أحد فى استحالة صدوره عنه سبحانه بل إنما خلقناهما وما بينهما لتكون مبدأ لوجود الإنسان وسببا لمعاشه ودليلا يقوده إلى تحصيل معرفتنا التى هى الغاية القصوى بواسطة طاعتنا وعبادتنا كما ينطق به قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) وقوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وقوله تعالى (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) استئناف مقرر لما قبله من انتفاء اللعب واللهو أى لو أردنا أن نتخذ ما يتلهى به ويلعب (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) أى من جهة قدرتنا أو من عندنا مما يليق بشأننا من المجردات لا من الأجسام المرفوعة والأجرام الموضوعة كديدن الجبابرة فى رفع العروش وتحسينها وتسوية الفروش وتزيينها لكن يستحيل إرادتنا له لمنافاته الحكمة فيستحيل اتخاذنا له قطعا وقوله تعالى (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) جرابه محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه اى إن كنا فاعلين لاتخذناه وقيل إن نافية أى ما كنا فاعلين أى لاتخاذ اللهو لعدم إرادتنا إياه فيكون بيانا