(قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (٤٧)
____________________________________
ولذلك عقب بما يدل على أنه طمع فارغ وأمل كاذب حيث قيل (أَفَلا يَرَوْنَ) أى ألا ينظرون فلا يرون (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) أى أرض الكفرة (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) فكيف يتوهمون أنهم ناجون من بأسنا وهو تمثيل وتصوير لما يخربه الله عزوجل من ديارهم على أيدى المسلمين ويضيفها إلى دار الإسلام (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) على رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين والفاء لإنكار ترتيب الغالبية على ما ذكر من نقص أرض الكفرة بتسليط المسلمين عليها كأنه قيل أبعد ظهور ما ذكر ورؤيتهم له يتوهم غلبتهم كما مر فى قوله تعالى (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) وقوله تعالى (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) وفى التعريف تعريض بأن المسلمين هم المتعينون للغلبة المعروفون بها (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ) بعد ما بين من جهته تعالى غاية هول ما يستعجله المستعجلون ونهاية سوء حالهم عند إتيانه ونعى عليهم جهلهم بذلك وإعراضهم عن ذكر ربهم الذى يكلؤهم من طوارق الليل والنهار وغير ذلك من مساوى أحوالهم أمر صلىاللهعليهوسلم بأن يقول لهم إنما أنذركم ما تستعجلونه من الساعة (بِالْوَحْيِ) الصادق الناطق بإتيانها وفظاعة ما فيها من الأهوال أى إنما شأنى أن أنذركم بالإخبار بذلك لا بالإتيان بها فإنه مزاحم للحكمة التكوينية والتشريعية إذ الإيمان برهانى لا عيانى وقوله تعالى (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ) إما من تتمة الكلام الملقن تذييل له بطريق الاعتراض قد أمر عليهالسلام بأن يقوله لهم توبيخا وتقريعا وتسجيلا عليهم بكمال الجهل والعناد واللام للجنس المنتظم للمخاطبين انتظاما أوليا أو للعهد فوضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالتصام وتقييد نفى السماع بقوله تعالى (إِذا ما يُنْذَرُونَ) مع أن الصم لا يسمعون الكلام إنذارا كان أو تبشيرا لبيان كمال شدة الصمم كما أن إيثار الدعاء الذى هو عبارة عن الصوت والنداء على الكلام لذلك فإن الإنذار عادة يكون بأصوات عالية مكررة مقارنة لهيآت دالة عليه فإذا لم يسمعوها يكون صممهم فى غاية لا غاية وراءها وإما من جهته تعالى على طريقة قوله تعالى (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) ويؤيده القراءة على خطاب النبى صلىاللهعليهوسلم من الإسماع بنصب الصم والدعاء كأنه قيل قل لهم ذلك وأنت بمعزل من إسماعهم وقرىء بالياء أيضا على أن الفاعل هو عليهالسلام وقرىء على البناء للمفعول أى لا يقدر أحد على إسماع الصم وقوله تعالى (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ) بيان لسرعة تأثرهم من مجىء نفس العذاب إثر بيان عدم تأثرهم من مجىء خبره على نهج التوكيد القسمى أى وبالله لئن أصابهم أدنى إصابة أدنى شىء من عذابه تعالى كما ينبىء عنه المس والنفحة بجوهرها وبنائها فإن أصل النفح هبوب رائحة الشىء (لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) ليدعن على أنفسهم بالويل والهلاك ويعترفن عليها بالظلم وقوله تعالى (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) بيان لما سيقع عند إتيان ما أنذروه أى نقيم الموازين