(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي(١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) (١٥)
____________________________________
بعد أخرى (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) أى اصطفيتك للنبوة والرسالة وقرىء وإنا اخترناك بالفتح والكسر والفاء فى قوله (فَاسْتَمِعْ) لترتيب الأمر أو المأمور به على ما قبلها فإن اختياره عليهالسلام لما ذكر مر موجبات الاستماع والأمر به واللام فى قوله تعالى (لِما يُوحى) متعلقة باستمع وما موصولة أو مصدرية أى فاستمع للذى يوحى إليك أو للوحى لا باخترتك كما قيل لكن لا لما قيل من أنه من باب التنازع وإعمال الأول فلا بد حينئذ من إعادة الضمير مع الثانى بل لأن قوله تعالى (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) بدل من ما يوحى ولا ريب فى أن اختياره عليه الصلاة والسلام ليس لهذا الوحى فقط والفاء فى قوله تعالى* (فَاعْبُدْنِي) لترتيب المأمور به على ما قبلها فإن اختصاص الألوهية به سبحانه وتعالى من موجبات تخصيص العبادة به عزوجل (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) خصت الصلاة بالذكر وأفردت بالأمر مع اندراجها فى الأمر بالعبادة لفضلها وإباقها على سائر العبادات بما نيطت به من ذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره وذلك قوله تعالى* (لِذِكْرِي) أى لتذكرنى فإن ذكرى كما ينبغى لا يتحقق إلا فى ضمن العبادة والصلاة أو لتذكرنى فيها لاشتمالها على الأذكار أو لذكرى خاصة لا تشوبه بذكر غيرى أو لإخلاص ذكرى وابتغاء وجهى لا ترائى بها ولا تقصد بها غرضا آخر أو لتكون ذاكرا لى غير ناس وقيل لذكرى إياها وأمرى بها فى الكتب أو لأن أذكرك بالمدح والثناء وقيل لأوقات ذكرى وهى مواقيت الصلاة أو لذكر صلاتى لما روى أنه صلىاللهعليهوسلم قال من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لأن الله تعالى يقول وأقم الصلاة لذكرى وقرىء لذكرى بألف التأنيث وللذكرى معرفا وللذكر بالتعريف والتنكير وقوله تعالى (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) تعليل لوجوب العبادة وإقامة الصلاة أى كائنة لا محالة وإنما عبر عن ذلك بالإتيان تحقيقا لحصولها بإبرازها* فى معرض أمر محقق متوجه نحو المخاطبين (أَكادُ أُخْفِيها) أى لا أظهرها بأن أقول إنها آتية ولو لا أن ما فى الإخبار بذلك من اللطف وقطع الأعذار لما فعلت أو أكاد أظهرها بإيقاعها من أخفاه إذا أظهره بسلب خفائه ويؤيده القراءة بفتح الهمزة من خفاه بمعنى أظهره وقيل أخفاه من الأضداد يجىء بمعنى الإظهار* والستر وقوله تعالى (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) متعلق بآتية وما بينهما اعتراض أو بأخفيها على المعنى الأخير وما مصدرية أى لتجزى كل نفس بسعيها فى تحصيل ما ذكر من الأمور المأمور بها وتخصيصه فى معرض الغاية لإتيانها مع أنه الجزاء كل نفس بما صدر عنها سواء كان سعيا فيما ذكرا وتقاعدا عنه بالمرة أو سعيا فى تحصيل ما يضاده للإيذان بأن المراد بالذات من إتيانها هو الإثابة بالعبادة وأما العقاب بتركها فمن مقتضيات سوء اختيار العصاة وبأن المأمور به فى قوة الوجوب والساعة فى شدة الهول والفظاعة بحيث يوجبان على كل نفس أن تسعى فى الامتثال بالأمر وتجد فى تحصيل ما ينجيها من الطاعات وحينئذ تحترز عن