(فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) (١٧)
____________________________________
اقتراف ما يرديها من المعاصى وعليه مدار الأمر فى قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فإن الابتلاء مع شموله لكافة المكلفين باعتبار أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبيح أيضا لا إلى الحسن والأحسن فقط قد علق بالأخيرين لما ذكر من أن المقصود الأصلى من إبداع تلك البدائع على ذلك النمط الرائع إنما هو ظهور كمال إحسان المحسنين وإن ذلك لكونه على أتم الوجوه الرائقة وأكمل الأنحاء اللائقة يوجب العمل بموجبه بحيث لا يحيد أحد عن سننه المستبين بل يهتدى كل فرد إلى ما يرشد إليه من مطلق الإيمان والطاعة وإنما التفاوت بينهم فى مراتبهما بحسب القوة والضعف وأما الإعراض عن ذلك والوقوع فى مهاوى الضلال فبمعزل من الوقوع فضلا عن أن ينتظم فى سلك الغاية لذلك الصنع البديع وإنما هو عمل يصدر عن عامله بسوء اختياره من غير مصحح له أو مسوغ هذا ويجوز أن يراد بالسعى مطلق العمل (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها) أى عن ذكر الساعة ومراقبتها وقيل عن تصديقها والأول هو الأليق بشأن موسى عليه الصلاة والسلام وإن كان النهى بطريق التهييج والإلهاب وتقديم الجار والمجرور على قوله تعالى (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى* المؤخر فإن ما حقه التقديم إذا أخر تبقى النفس مستشرفة له فيتمكن عند وروده لها فضل تمكن ولأن فى المؤخر نوع طول ربما يخل تقديمه بجزالة النظم الكريم وهذا وإن كان بحسب الظاهر نهيا للكافر عن صد موسى عليه الصلاة والسلام عن الساعة لكنه فى الحقيقة نهى له عليه الصلاة والسلام عن الانصداد عنها على أبلغ وجه وآكده فإن النهى عن أسباب الشىء ومباديه المؤدية إليه نهى عنه بالطريق البرهانى وإبطال للسببية من أصلها كما فى قوله تعالى (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) الخ فإن صد الكافر حيث كان سببا لانصداده عليه الصلاة والسلام كان النهى عنه نهيا بأصله وموجبه وإبطالا له بالكلية ويجوز أن يكون من باب النهى عن المسبب وإرادة النهى عن السبب على أن يراد نهيه عليه الصلاة والسلام عن إظهار لين الجانب للكفرة فإن ذلك سبب لصدهم إياه عليه الصلاة والسلام كما فى قوله لا أرينك ههنا فإن المراد به نهى المخاطب عن الحضور لديه الموجب لرؤيته (وَاتَّبَعَ هَواهُ) أى ما تهواه نفسه من اللذات الحسية الفانية (فَتَرْدى) أى فتهلك فإن* الإغفال عنها وعن تحصيل ما ينجى عن أهوالها مستتبع للهلاك لا محالة وهو فى محل النصب على جواب النهى أو فى محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى فأنت تردى (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) شروع فى حكاية ما كلف به عليه الصلاة والسلام من الأمور المتعلقة بالخلق إثر حكاية ما أمر به من الشؤون الخاصة بنفسه فما استفهامية فى حين الرفع بالابتداء وتلك خبره أو بالعكس وهو أدخل بحسب المعنى وأوفق بالجواب وبيمينك متعلق بمضمر وقع حالا أى وما تلك قارة أو مأخوذة بيمينك والعامل معنى الإشارة كما فى قوله عز وعلا (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) وقيل تلك موصولة أى ما التى هى بيمينك وأيا ما كان فالاستفهام