٣٤ ـ سورة سبا
(مكية وآياتها أربع وخمسون)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ(١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) (٢)
____________________________________
(سورة سبأ مكية وقيل إلا (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) الآية وهى أربع وخمسون آية)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أى له تعالى خلقا وملكا وتصرفا بالإيجاد والإعدام والإحياء والإمانة جميع ما وجد فيهما داخلا فى حقيقتهما أو خارجا عنهما متمكنا فيهما فكأنه قيل له جميع المخلوقات كما مر فى آية الكرسى ووصفه تعالى بذلك لتقرير ما أفاده تعليق الحمد المعرف بلام الحقيقة بالاسم الجليل من اختصاص جميع أفراده به تعالى على ما بين فى فاتحة الكتاب ببيان تفرده تعالى واستقلاله بما يوجب ذلك وكون كل ما سواه من الموجودات التى من جملتها الإنسان تحت ملكوته تعالى ليس لها فى حد ذاتها استحقاق الوجود فضلا عما عداه من صفاتها بل كل ذلك نعم فائضة عليها من جهته عزوجل فما هذا شأنه فهو بمعزل من استحقاق الحمد الذى مداره الجميل* الصادر عن القادر بالاختيار فظهر اختصاص جميع أفراده به تعالى وقوله تعالى (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) بيان لاختصاص الحمد الأخروى به تعالى إثر بيان اختصاص الدنيوى به على أن الجار متعلق إما بنفس الحمد أو بما تعلق به الخبر من الاستقرار وإطلاقه عن ذكر ما يشعر بالمحمود عليه ليس للاكتفاء بذكر كونه فى الآخرة عن التعيين كما اكتفى فيما سبق بذكر كون المحمود عليه فى الدنيا عن ذكر كون الحمد أيضا فيها بل ليعم النعم الأخروية كما فى قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ) وقوله تعالى (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ) الآية وما يكون ذريعة إلى نيلها من النعم الدنيوية كما فى قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) أى لما جزاؤه هذا من الإيمان والعمل الصالح والفرق بين الحمدين مع كون نعمتى الدنيا والآخرة بطريق التفضل أن الأول على نهج العبادة والثانى على وجه التلذذ والاغتباط وقد ورد فى الخبر أنهم يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس (وَهُوَ الْحَكِيمُ) الذى أحكم أمور الدين والدنيا ودبرها حسبما تقتضيه الحكمة (الْخَبِيرُ) ببواطن الأشياء ومكنوناتها وقوله تعالى (يَعْلَمُ ما يَلِجُ