(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١١)
____________________________________
* ويسقط بالياء لقوله تعالى (أَفْتَرى عَلَى اللهِ) وكسفا بسكون السين (إِنَّ فِي ذلِكَ) أى فيما ذكر من السماء والأرض من حيث إحاطتهما بالناظر من جميع الجوانب أو فيما تلى من الوحى الناطق بما ذكر (لَآيَةً) واضحة (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) شأنه الإنابة إلى ربه فإنه إذا تأمل فيهما أو فى الوحى المذكور ينزجر عن تعاطى القبائح وبنيب إليه تعالى وفيه حث بليغ على التوبة والإنابة وقد أكد ذلك بقوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) أى آتيناه لحسن إنابته وصحة توبته فضلا على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أى نوعا من الفضل وهو ما ذكر بعد فإنه معجزة خاصة به صلىاللهعليهوسلم أو على سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن فتنكيره للتفخيم ومنا لتأكيد فخامته الذاتية بفخامته الإضافية كما فى قوله تعالى (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ .... لَدُنَّا عِلْماً) وتقديمه على المفعول الصريح للاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر فإن ما حقه* التقديم إذا أخر تبقى النفس مترقبة له فإذا وردها يتمكن عندها فضل تمكن (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) من التأويب أى رجعى معه التسبيح أو النوحة على الذنب وذلك إما بأن يخلق الله تعالى فيها صوتا مثل صوته كما خلق الكلام فى الشجرة أو بأن يتمثل له ذلك وقرىء أوبى من الأوب أى ارجعى معه فى التسبيح كلما رجع فيه وكان كلما سبح عليه الصلاة والسلام يسمع من الجبال ما يسمع من المسبح معجزة له عليه الصلاة والسلام وقيل كان ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين وكانت الجبال تسعده على نوحه بأصدائها* والطير بأصواتها وهو بدل من آتينا بإضمار قلنا أو من فضلا بإضمار قولنا (وَالطَّيْرَ) بالنصب عطفا على فضلا بمعنى وسخرنا له الطير لأن إيتاءها إياه عليه الصلاة والسلام تسخيرها له فلا حاجة إلى إضماره كما نقل عن الكسائى ولا إلى تقدير مضاف أى تسبيح الطير كما نقل عنه فى رواية وقيل عطفا على محل الجبال وفيه من التكلف لفظا ومعنى مالا يخفى وقرىء بالرفع عطفا على لفظها تشبيها للحركة البنائية العارضة بالحركة الإعرابية وقد جوز انتصابه على أنه مفعول معه والأول هو الوجه وفى تنزيل الجبال والطير منزلة العقلاء المطيعين لأمره تعالى المذعنين لحكمه المشعر بأنه ما من حيوان وجماد وصامت وناطق إلا وهو منقاد لمشيئته غير ممتنع على إرادته من الفخامة المعربة عن غاية عظمة شأنه تعالى وكمال كبرياء* سلطانه مالا يخفى على أولى الألباب (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) أى جعلناه لينا فى نفسه كالشمع يصرفه فى يده كيف يشاء من غير إحماء بنار ولا ضرب بمطرقة أو جعلناه بالنسبة إلى قوته التى آتيناها إياه لينا كالشمع بالنسبة إلى سائر القوى البشرية (أَنِ اعْمَلْ) أمرناه أن اعمل على أن أن مصدرية حذف عنها الباء وفى حملها على المفسرة تكلف لا يخفى (سابِغاتٍ) واسعات وقرىء صابغات وهى الدروع الواسعة الضافية وهو عليه الصلاة والسلام أول من اتخذها وكانت قبل صفائح قالوا كان عليه الصلاة والسلام حين ملك على بنى إسرائيل يخرج متنكرا فيسأل الناس ما تقولون فى داود فيثنون عليه فقيض الله تعالى له ملكا فى