(وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (٤٦)
____________________________________
بَيِّناتٍ) بيان لبعض آخر من كفرانهم أى إذا تتلى عليهم بلسان الرسول صلىاللهعليهوسلم آياتنا الناطقة بحقية* التوحيد وبطلان الشرك (قالُوا ما هذا) يعنون رسول الله صلىاللهعليهوسلم (إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) فيستتبعكم بما يستدعيه من غير أن يكون هناك دين إلهى وإضافة الآباء إلى المخاطبين لا إلى أنفسهم* لتحريك عرق العصبية منهم مبالغة فى تقريرهم على الشرك وتنفيرهم عن التوحيد (وَقالُوا ما هذا) يعنون* القرآن الكريم (إِلَّا إِفْكٌ) أى كلام مصروف عن وجهه لا مصداق له فى الواقع (مُفْتَرىً) بإسناده إلى الله تعالى (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ) أى لأمر النبوة أو الإسلام أو القرآن على أن العطف لاختلاف العنوان* بأن يراد بالأول معناه وبالثانى نظمه المعجز (لَمَّا جاءَهُمْ) من غير تدبر ولا تأمل فيه (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ظاهر سحريته وفى تكرير الفعل والتصريح بذكر الكفرة وما فى اللامين من الإشارة إلى القائلين والمقول فيه وما فى لما من المسارعة إلى البت بهذا القول الباطل إنكار عظيم له وتعجيب بليغ منه (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) فيها دليل على صحة الإشراك كما فى قوله تعالى (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) وقوله تعالى (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) وقرىء يدرسونها ويدرسونها* بتشديد الدال يفتعلون من الدرس (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) يدعوهم إليه وينذرهم بالعقاب إن لم يشركوا وقدبان من قبل أن لا وجه له بوجه من الوجوه فمن أين ذهبوا هذا المذهب الزائغ وهذا غاية تجهيل لهم وتسفيه لرأيهم ثم هددهم بقوله تعالى (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم المتقدمة والقرون الخالية كما كذبوا (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) أى ما بلغ هؤلاء عشر ما آتينا أولئك من القوة وطول العمر وكثرة المال أو ما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى (فَكَذَّبُوا رُسُلِي) عطف على (كَذَّبَ الَّذِينَ) الخ بطريق التفصيل والتفسير كقوله تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) الخ (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أى إنكارى لهم بالتدمير فليحذر هؤلاء من مثل ذلك (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) أى ما أرشدكم وأنصح لكم إلا بخصلة واحدة هى ما دل عليه قوله تعالى (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ) على أنه بدل منها أو بيان لها أو خبر مبتدأ محذوف أى هى أن تقوموا من مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو تنتصبوا للأمر خالصا لوجه الله تعالى معرضا عن المماراة والتقليد (مَثْنى وَفُرادى) أى متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا فإن الازدحام يشوش الأفهام ويخلط الأفكار بالأوهام وفى تقديم مثنى إيذان بأنه أوثق وأقرب إلى الاطمئنان (ثُمَ