(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) (٣١)
____________________________________
بالتوبة عن الكفر والدخول فى الإيمان والطاعة جريا على سنن الأولياء فى كظم الغيظ والترحم على الأعداء أو ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم فى أمره وأنه كان على الحق وأن عداوتهم لم تكسبه إلا سعادة وقرىء من المكرمين وما موصولة أو مصدرية والباء صلة يعلمون أو استفهامية وردت على الأصل والباء متعلقة بغفر أى بأى شىء غفر لى ربى يريد به تفخيم شأن المهاجرة عن ملتهم والمصابرة على أذيتهم (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) من بعد قتله أو رفعه (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) لإهلاكهم والانتقام منهم كما فعلناه يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك وفيه استحقار لهم ولإهلاكهم وإيماء إلى تفخيم شأن الرسول صلىاللهعليهوسلم (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) وما صح فى حكمتنا أن ننزل لإهلاك قومه جندا من السماء لما أنا قدرنا* لكل شىء سببا حيث أهلكنا بعض من أهلكنا من الأمم بالحاصب وبعضهم بالصيحة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالإغرق وجعلنا إنزال الجند من خصائصك فى الانتصار من قومك وقيل ما موصولة معطوفة على جند أى وما كنا منزلين على من قبلهم من حجارة وريح وأمطار شديدة وغيرها (إِنْ كانَتْ) أى ما كانت الأخذة أو العقوبة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) صاح بها جبريل عليهالسلام وقرىء إلا صيحة بالرفع على أن كان تامة وقرىء إلا زقية واحدة من زقا الطائر إذا صاح (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) ميتون شبهوا بالنار الخامدة رمزا إلى أن الحى كالنار الساطعة فى الحركة والالتهاب والميت كالرماد كما قال لبيد[وما المرء إلا كالشهاب وضوئه * يحور رمادا بعد إذ هو ساطع] (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) تعالى فهذه من الأحوال التى حقها أن تحضرى فيها وهى ما دل عليه قوله تعالى (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فإن المستهزئين بالناصحين الذين نيطت بنصائحهم سعادة الدارين أحقاء بأن يتحسروا ويتحسر عليهم المتحسرون أو قد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين وقد جوز أن يكون تحسرا عليهم من جهة الله تعالى بطريق الاستعارة لتعظيم ما جنوه على أنفسهم ويؤيده قراءة يا حسرتا لأن المعنى يا حسرتى ونصبها لطولها بما تعلق بها من الجار وقيل بإضمار فعلها والمنادى محذوف وقرىء يا حسرة العباد بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول ويا حسرة على العباد بإجراء الوصل مجرى الوقف (أَلَمْ يَرَوْا) أى ألم يعلموا وهو معلق عن العمل فى قوله تعالى (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) لأن كم لا يعمل فيها ما قبلها وإن كانت خبرية لأن أصلها الاستفهام خلا أن معناه نافذ فى الجملة كما نفذ فى قولك ألم تر أن زيدا لمنطلق وإن لم يعمل فى لفظه (أَنَّهُمْ